لا يقبل إلا طيّبًا، وهو إله الطيبين وربهم، وجيرانه في دار كرامته، هم الطيبون.
فتأمل أطيب الكلمات بعد القرآن، كيف لا تنبغي إلا لله؟ وهي: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله، فإن "سبحان الله" تتضمن تنزيهه عن كل نقص وعيب وسوء عن خصائص المخلوقين وشبههم.
و"الحمد لله" تتضمن إثبات كلّ كمال له قولًا، وفعلًا، ووصفًا على أتمِّ الوجوه، وأكملها أزلًا وأبدًا.
و"لا إله إلا الله" تتضمن انفراده بالإلهية، وأن كل معبود سواه باطل، وأنه وحده الإله الحق، وأن من تأله غيره فهو بمنزلة من اتخذ بيتًا من بيوت العنكبوت، يأوي إليه، ويسكنه من الحرِّ والبرد، فهل يغني عنه ذلك شيئًا.
و"الله أكبر" تتضمن أنه أكبر من كلِّ شيء، وأجل، وأعظم، وأعز وأقوى وأمنع، وأقدر، وأعلم، وأحكم، فهذه الكلمات لا تصح هي ومعانيها إلا لله وحده.
ثم شرع له أن يسلِّم على سائر عباد الله الصالحين، وهم عباده الذين اصطفى بعد الثناء، وتقديم الحمد لله فطابق ذلك قوله: {قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى} [النمل: 59]، وكأنه امتثال له، وأيضًا فإن هنا تحية المخلوق فشرعت بعد تحية الخالق وقدم في هذه التحية أولى الخلق بها وهو النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، الذي نالت أمته على يده كل خير، وعلى نفسه، وبعده يأتي الثناء على سائر عباد الله الصالحين، وأخصهم بهذه التحية الأنبياء والملائكة، ثم أصحاب محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وأتباع الأنبياء مع عمومها كل عبد صالح في السماء والأرض.
ثم شرع له بعد هذه التحية السلام على من يستحق السلام عليه خصوصًا وعمومًا.
ثم شرع له أن يشهد شهادة الحق التي بنيت عليها الصلاة، والصلاة حق من حقوقها، ولا تنفعه إلا بقرينتها وهي الشهادة للرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالرسالة، وختمت بها الصلاة كما قال عبد الله بن مسعود: "فإذا قلت ذلك فقد قضيت صلاتك، فإن شئت فقم وإن شئت فاجلس".
وهذا إما أن يحمل على انقضائها إذا فرغ منه حقيقة، كما يقوله الكوفيون، أو على مقاربة انقضائها ومشارفته، كما يقول أهل الحجاز وغيرهم، وعلى التقديرين فجعلت شهادة الحق خاتمة الصلاة. كما شرع أن تكون هي خاتمة الحياة.
"فمن كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة".
وكذلك شرع للمتوضئ أن يختتم وضوءه بالشهادتين، ثم لما قضى صلاته أذن له أن يسأل حاجته.
وشرع له أن يتوسل قبلها بالصلاة على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فإنها من أعظم الوسائل بين يدي الدعاء، كما في السنن عن فضالة بن عبيد أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "إذا دعا أحدكم فليبدأ بحمد الله، والثناء عليه، وليصل على رسوله ثم ليسل حاجته".
ثم جعل الدعاء لآخر الصلاة كالختم عليها.
فجاءت التحيات على ذلك، أولها حمد لله، والثناء عليه ثم الصلاة على رسوله ثم الدعاء آخر الصلاة، وأَذِنَ النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- للمصلي بعد الصلاة عليه أن يتخير من المسألة ما يشاء.
ونظير هذا ما شرع لمن سمعٍ الأذان: أن يقول كما يقول المؤذن. وأن يقول رضيت بالله ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رسولًا. وأن يسأل الله لرسوله الوسيلة والفضيلة، وأن يبعثه المقام المحمود. ثم ليصل عليه. ثم يسأل حاجته.