علمًا وعملًا.

والمغضوب عليه لا يرفع بها رأسًا، عارف به علمًا منسلخ عملًا، والله الموفق للصواب.

ولولا أن المقصود التنبيه على المضادة والمنافرة التي بين ذوق الصلاة، وذوق السماع، لبسطنا هذا الموضوع بسطًا شافيًا، ولكن لكل مقام مقال، فلنرجع إلى المقصود.

وشرع له التأمين في آخر هذا الدعاء تفاؤلًا بإجابته، وحصوله، وطابعًا عليه، وتحقيقًا له، ولهذا اشتد حسدُ اليهود للمسلمين عليه حين سمعُوهم يجهرون به في صلاتهم.

ثم شرع له رفع اليدين عند الركوع تعظيمًا لأمر الله، وزينةً للصلاة، وعبودية خاصةً لليدين كعبودية باقي الجوارح، واتباعًا لسنَّة رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فهو حليةُ الصلاة، وزينتها وتعظيم لشعائرها.

ثم شرع له التكبير الذي هو في انتقالات الصلاة من رُكن إلى ركن، كالتلبية في إنتقالات الحاجِّ، من مشعر إلى مشعر، فهو شعار الصلاة، كما أن التلبية شعار الحج، (مميز ليعلم أن سر الصلاة هو تعظيم الرب تعالى وتكبيره بعبادته وحده).

ثم شرع له بأن يخضع للمعبود سبحانه بالركوع خضوعًا لعظمة ربه، واستكانة لهيبته وتذللًا لعزته.

فثناء العبد على ربه في هذا الركن؛ هو أن يحني له صلبه، ويضع له قامته، وينكس له رأسه، ويحني له ظهره، ويكبره مُعظمًا له، ناطقًا بتسبيحه، المقترن بتعظيمه.

فاجتمع له خضوع القلب، وخضوع الجوارح، وخضوع القول على أتم الأحوال، ويجتمع له في هذا الركن من الخضوع والتواضع والتعظيم والذكر ما يفرق به بين الخضوع لربه، والخضوع للعبيد بعضهم لبعض، فإن الخضوع وصف العبد، والعظمة وصف الرب.

وتمام عبودية الركوع أن يتصاغر الراكع، ويتضاءل لربه، بحيث يمحو تصاغره لربه من قلبه كل تعظيم فيه لنفسه، ولخلقه ويثبت مكانه تعظيمه ربه وحده لا شريك له.

وكلما استولى على قلبه تعظيم الرب، وقوى خرج منه تعظيم الخلق، وازداد تصاغره هو عند نفسه فالركوع للقلب بالذات، والقصد والجوارح بالتبع والتكملة.

ثم شرع له أن يحمد ربه، ويثني عليه بآلائه عند اعتداله وانتصابه ورجوعه إلى أحسن هيئاته، منتصب القامة معتدلها فيحمد ربه ويثني عليه بآلائه عند اعتداله وانتصابه ورجوعه إلى أحسن تقويم، بأن وفقه وهداه لهذا الخضوع الذي قد حرمه غيره.

ثم نقله منه إلى مقام الاعتدال والاستواء، واقفًا في خدمته، بين يديه كما كان في حالة القراءة في ذلك، ولهذا شرع له من الحمد والمجد نظير ما شرع له من حال القراءة في ذلك.

ولهذا الاعتدال ذوق خاص وحال يحصل للقلب، ويخصه سوى ذوق الركوع وحاله، وهو ركن مقصود لذاته كركن الركوع والسجود سواء.

ولهنا كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُطيلُه كما يطيل الركوع والسجود، ويُكثر فيه من الثناء والحمد والتمجيد، كما ذكرناه في هديه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في صلاته وكان في قيام الليل يُكثر فيه من قول: "لربي الحَمد، لربي الحمد" ويكررها.

ثم شرع له أن يكبر ويدنو ويخر ساجدًا، ويُعطي في سجوده كل عضو من أعضائه حظه من العبودية، فيضع ناصيته بالأرض بين يدي ربه، مسندة راغمًا له أنفه، خاضعًا له قلبه، ويضع أشرف ما فيه -وهو وجهه- بالأرض ولا سيما وجه قلبه مع وجهه الظاهر ساجدًا على الأرض معفرًا له وجهه وأشرف ما فيه بين يدي سيده، راغمًا أنفه، خاضعًا له قلبه وجوارحه، متذللًا لعظمة ربه، خاضعًا لعزته،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015