من بعضها، نأخذ الفقه والحديث واللغة والنحو، وكنا نؤمُّه في عشايا الصيف مع آبائنا، نتخذ من صحنه متنزّهاً وأُنساً، وكنا نؤمّه في ليالي الشتاء نتخذ من حرمه ملجأ وأمناً، وكان الأموي مثابة النضال الوطني على عهد الانتداب، فيه تُلقى الخطب، وفيه تُعدّ المظاهرات، ومنه تسري روح النضال في الناس، فكان للدين والدنيا، وللعبادة والعلم، ولكل ما فيه رضا الله ونفع الناس، وكذلك يكون المسجد في الإسلام.

وأكثر ما كثر عليه تَردادي، واتصل به حبلي، لما كنت في المدرسة الجَقمَقية، ثم لما صرت من بعد في مكتب عنبر، وأُولعت من أيام الجقمقية (سنة 1919 م) بأن أنقل كل خبر أجده عن الأموي، واستمرذلك أكثر من أربعين سنة، من تلك الأيام إلى الآن (?)، فاجتمع لي من الأوراق والجذاذات والمذكرات ما يملأ درجاً كبيراً. وكنت كلما عزمت على تصفيته، وإخراجه في كتاب، تعاظمني الأمر فتهيّبته، وقد جمعتُ كل ما وجدته عنه في ابن عساكر، و"الدارس"، و "محاسن الشام"، و "مسالك الأبصار"، و"البداية والنهاية"، و"الروضتين" وذيله، و "شذرات الذهب"، و"معجم البلدان"، و"النجوم الزاهرة"، وتاريخ ابن القلانسي، و"السلوك" للمقريزي، وكتب ابن طولون، وما كتبه القاسمي وبدران. ورأيت بعض الرسائل المخطوطة، وكتباً أخرى لا أريد الآن إحصاءها.

وكنت كلما تقادم العهد، ازدادت هذه الأوراق كثرة، وازددت لها تهيباً، حتى إذا صح مني العزم قليلاً، استخرجت سلسلة الأحاديث التي كنت حدّثت بها من إذاعة دمشق عن الأموي من سنين ثم تركتُها، فلما طلبتْ مني المديرية العامة للأوقاف أن أكتب شيئاً عن الأموي، يكون

طور بواسطة نورين ميديا © 2015