فقالوا: يا أمير المؤمنين، كنت أقطعتنا أربع كنائس، وعرضت علينا من المال كذا وكذا، فإن رأيتي أن تتفضل به علينا. فامتنع أولاً، ثم أعطاهم الكنائس الأربع، وبنى لهم كنيسة مار يوحنا الكبرى. أي إن الدولة الإسلامية، في أقوى عصورها، تبني للنصارى الكنائس من مالها، ثم يتذرع المستعمرون بالخوف على النصارى في بلادنا من حكم الإسلام!

وقالوا: إن من يهدم الكنيسة يجنّ. فأخذ الوليد المعول وقال: أنا أحب أن أجن في سبيل الله، وضرب به وتبعه الناس، ثم دعوا باليهود فأكملوا هدمها (?)، ولم يبق في المسجد من الكنيسة إلا الجدران وأساس الصومعتين الأماميتين. على أن صاحب "معجم البلدان" يروي أنه نقض الحيطان وأعاد بناءها على أساس جديد حفر له حتى بلغ الماء.

وسمع إمبراطور القسطنطينية بذلك، فأراد أن يصرفه عن عمارة المسجد، فكتب إليه: إن كان هدم الكنيسة حقاً وصلاحاً، ولم يفعله أبوك، إنه لوصمة عليك. ولما ورد الكتاب على الوليد، قعد يفكّر في جوابه، فدخل عليه الفرزدق الشاعر فقال له: جوابه حاضر، وهو قوله تعالى: {ففهمناها سليمان وكلا آتينا حكماً وعلماً}.

...

وحشد لبنائه العمال من كل مكان وأراد أن يقيم السقف على أسطوانات (أعمدة)، فاقترح عليه بنّاء شامي أن يقصر الأعمدة، ويعقد بعضها بأقواس، ويقيم فوقها أعمدة صغاراً، لها قناطر تحمل السقف، فصنع ذلك وبقي إلى يومنا هذا.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015