وكان المسجد في أقل من نصف مساحته الآن (أي من باب النوفرة إلى ما قبل القبة)، وكان له محراب واحد هو محراب المالكية اليوم.
واستمرت الحال على ذلك إلى أيام الوليد، فكان النصارى يصلون فيؤذّن المسلمون فيزعجونهم، ويصلي المسلمون فيضرب النصارى النواقيس. وضاق المسجد بأهله، وأراد الوليد أن يضم الكنيسة إلى المسجد، وكان الوليد هو الحاكم المطلق في نحو عشرين دولة من دول اليوم، هي: الجمهورية العربية المتحدة والعراق والأردن وفلسطين والحجاز واليمن وتركيا وليبيا وتونس ومراكش والجزائر وإسبانيا والحبشة وإيران والأفغان وجمهوريات أرمينية وبخاري وتركستان وقسم من باكستان. ولكنه كان مع هذا السلطان مقيداً بقيد القرآن، والقرآن والسنة يحرّمان ظلم المواطن الذمي، أي المواطن المسيحي بعرف الناس اليوم، ولا يجوز التعدّي عليه ما لم ينقض هوالعهد، لذلك لم يقدر أن يُصدر أمراً بأخذ الكنيسة جبراً، فدعا رؤوس النصارى وعرض عليهم أن يعطوه بقية الكنيسة ويبني لهم بدلاً منها كنيسةً أعظم منها، فأبوا، فعرض عليهم أن يبني لهم أربع كنائس ويعطيهم مبالغ ضخمة من المال، فأبوا وقالوا: إننا نتمسك بالعهد الذي كان بيننا وبينكم. فقال لهم: أنتم خالفتم العهد وأحدثتم كنائس جديدة لم يكن في المعاهدة بناؤها فأنا أهدمها.
وعزم على ذلك، ودخل عليه أخوه المغيرة فوجده مهموماً فقال: مالك يا أمير المؤمنين؟.
فخبره، فقال: أخرج العهد فأنظره. فأخرجه فنظر فيه، فإذا القسم المفتوح عنوة، يمتد إلى آخر الكنيسة وبذلك تكون كلها حقاً للمسلمين، فألف لجنة مشتركة (إسلامية ونصرانية) فقامت بمسح ذلك، فظهر بالمساحة أن الكنيسة كلها من حق المسلمين، وأنها تدخل المسجد.