الثالثة عشرة: واختلفوا في المواضع التي تضرب من الإنسان في الحدود، فقال مالك: الحدود كلها لا تضرب إلا في الظهر، وكذلك التعزير، وقال الشافعي وأصحابه: يُتقى الوجه والفرج وتضرب سائر الأعضاء، وروي عن علي وأشار ابن عمر بالضرب إلى رجلي أمةٍ جلدها في الزنا، قال ابن عطية: والإجماع في تسليم الوجه والعورة والمقاتل، واختلفوا في ضرب الرأس، فقال الجمهور: يتقى الرأس، وقال أبو يوسف: يضرب الرأس، وروي عن عمر وابنه فقالا: يضرب الرأس، وضرب عمر -رضي الله عنه- صبيغاً في رأسه وكان تغزيراً لا حداً، ومن حجة مالك ما أدرك عليه الناس، وقوله -عليه السلام-: ((البينة وإلا حد في ظهرك)) وسيأتي ..
أما صبيغ وضربه في الرأس، فلأنه كان يؤذي الناس بالمسائل الغامضة ويعنتهم في هذا، ومحل مثل هذا الرأس، هذه المسائل والإشكالات إنما محلها الرأس، كما قال بعض العلماء.
الرابعة عشرة: الضرب الذي يجب هو أن يكون مؤلماً، لا يجرح ولا يبضع، ولا يخرج الضارب يده من تحت إبطه، وبه قال الجمهور، وهو قول علي وابن مسعود -رضي الله عنهما-، وأتي عمر -رضي الله عنه- برجلٍ في حد فأتى بسوطٍ بين سوطين، وقال للضارب: اضرب ولا يرى إبطك وأعط كل عضو حقه، وأتى -رضي الله عنه- بشارب فقال: لأبعثنك إلى رجلٍ لا تأخده فيك هوادة، فبعثه إلى مطيع بن الأسود العدوي، فقال: إذا أصبحت الغد فاضربه الحد، فجاء عمر -رضي الله عنه- وهو يضربه ضرباً شديداً، فقال: قتلت الرجل، كم ضربته؟ فقال ستين، فقال: أقِصَّ عنه بعشرين، قال أبو عبيدة: قوله: أقِصَّ عنه بعشرين، يقول: اجعل شدة هذا الضرب الذي ضربته قصاصاً بالعشرين التي بقيت، ولا تضربه العشرين ..
هذه الستين تعادل ثمانين بالنسبة لضرب غيره.
وفي هذا الحديث من الفقه أن ضرب الشارب ضرب خفيف، وقد اختلف العلماء في أشد الحدود ضرباً وهي: