قوله تعالى: {كَذَلِكَ سَلَكْنَاهُ} [(200) سورة الشعراء] يعني القرآن: أي الكفر به، {فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ * لَا يُؤْمِنُونَ بِهِ} [(200 - 201) سورة الشعراء] وقيل: سلكنا التكذيب في قلوبهم، فذلك الذي منعهم من الإيمان قاله يحيى بن سلام، وقال عكرمة: القسوة، والمعنى متقارب، وقد مضى في (الحجر)، وأجاز الفراء الجزم في {لَا يُؤْمِنُونَ} لأن فيه معنى الشرط والمجازاة، وزعم أن من شأن العرب، إذا وضعت (لا) موضع (كي) (لا) في مثل هذا ربما جزمت ما بعدها وربما رفعت، فتقول: (ربطت الفرس لا ينفلت) بالرفع والجزم؛ لأن معناه: إن لم أربطه ينفلت، والرفع بمعنى: كيلا ينفلت، وأنشد لبعض بني عقيل:

وحتى رأينا أحسن الفعل بيننا ... مساكنةً لا يقرف الشر قارفُ

بالرفع لما حذف (كي)، ومن الجزم قول الآخر:

لطالما حلاتماها لا ترد ... فخلياها والسجال تبترد

قال النحاس: وهذا كله في {يُؤْمِنُونَ} خطأ عند البصريين، ولا يجوز الجزم بلا جازم، ولا يكون شيء يعمل عملاً، فإذا حذف عمل عملاً أقوى من عمله وهو موجود، فهذا احتجاج بيِّن.

فيكون الجزم في البيت من أجل الوزن.

{حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ * فَيَأْتِيَهُم بَغْتَةً} [(201 - 202) سورة الشعراء] أي العذاب، وقرأ الحسن: فتأتيهم بالتاء والمعنى: فتأتيهم الساعة بغتة، فأضمرت؛ لدلالة العذاب الواقع فيها، ولكثرة ما في القرآن من ذكرها، وقال رجل للحسن وقد قرأ: (فتأتيهم): يا أبا سعيد إنما يأتيهم العذاب بغتة، فانتهره وقال: إنما هي الساعة تأتيهم بغتة: أي فجأة، {وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ} [(202) سورة الشعراء] بإتيانها، {فَيَقُولُوا هَلْ نَحْنُ مُنظَرُونَ} [(203) سورة الشعراء] أي مؤخرون وممهلون، يطلبون الرجعة هنالك فلا يجابون إليها، قال القشيري وقوله: {فَيَأْتِيَهُم} ليس عطفاً على قوله: {حَتَّى يَرَوُا} بل هو جواب قوله: {لَا يُؤْمِنُونَ} فلما كان جواباً للنفي انتصب، وكذلك قوله: {فَيَقُولُوا}.

يعني مثلما تقدم، منصوب بـ (أن) المضمرة بعد الفاء في جواب النفي.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015