يعني أنتم قوم جهال ما عرفتم معنى الاستواء، إما تأكلون أو تنصرفون واضح؟ وصف الجهل ظاهر فيهم، حيث خفي عليهم لفظ ورد في القرآن، وهو معروف من لغة العرب معنى الصعود والارتفاع وهم ما عرفوه فحكم عليهم بالجهل، وهؤلاء لا يرضيهم إلا الأكل، لا نظر لهم بعلم، لكن إذا عرض لهم الأكل كلوا، هذا الموجود، الخير موجود، قالوا: فارقناه من قريب، فقال: سلاماً، يعني ما عاد بقي شيء.
قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا} [(64) سورة الفرقان] قال الزجاج: بات الرجل يبيت إذا أدركه الليل نام أو لم ينم.
قال زهير:
فبتنا قياماً عند رأس جوادنا ... يزاولنا عن نفسه ونزاوله
ومن ذلك قول النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((وعين باتت تحرس في سبيل الله)) ولا يتصور النوم لمن يحرس في سبيل الله.
وأنشدوا في صفة الأولياء:
امنع جفونك أن تذوق مناما ... واذْرِ الدموع على الخدود سجاما
واعلم بأنك ميت ومحاسب ... يا من على سخط الجليل أقاما
لله قوم أخلصوا في حبه ... فرضي بهم واختصَّهم خدَّاما
قوم إذا جن الظلام عليهم ... باتوا هنالك سجداً وقياما
خمص البطون من التعفف ضمراً ... لا يعرفون سوى الحلال طعاما
وقال ابن عباس: من صلى ركعتين أو أكثر بعد العشاء فقد بات لله ساجداً وقائماً، وقال الكلبي: من أقام ركعتين بعد المغرب وأربعاً بعد العشاء فقد بات ساجداً وقائماً، قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا * إِنَّهَا سَاءتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا} [(66) سورة الفرقان] أي هم مع طاعتهم مشفقون خائفون، وجلون من عذاب الله، قال ابن عباس: يقولون ذلك في سجودهم وقيامهم.
{إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا} أي لازماً دائماً غير مفارق، ومنه سمي الغريم لملازمته، ويقال: فلان مغرم بكذا: أي لازم له مولع به، وهذا معناه في كلام العرب فيما ذكر ابن الأعرابي وابن عرفة وغيرهما، وقال الأعشى:
إن يعاقب يكن غراماً وإن يعط ... جزيلاً فإنه لا يبالي