وقال الحسن: قد علموا أن كل غريمٍ يفرق غريمه إلا غريم جهنم، وقال الزجاج: الغرام أشد العذاب، وقال ابن زيد: الغرام الشر، وقال أبو عبيدة: الهلاك، والمعنى واحد، وقال محمد بن كعب: طالبهم الله تعالى بثمن النعيم في الدنيا فلم يأتوا به فأغرمهم ثمنها بإدخالهم النار {إِنَّهَا سَاءتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا} [(66) سورة الفرقان] أي بئس المستقر وبئس المقام، أي إنهم يقولون ذلك عن علم، وإذا قالوه عن علم كانوا أعرف بعظم قدر ما يطلبون فيكون ذلك أقرب إلى النُجْح.
قوله تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا} [(67) سورة الفرقان] اختلف المفسرون في تأويل هذه الآية، فقال النحاس: ومن أحسن ما قيل في معناه أن من أنفق في غير طاعة الله فهو الإسراف، ومن أمسك عن طاعة الله -عز وجل- فهو الإقتار، ومن أنفق في طاعة الله تعالى فهو القوام.
وقال ابن عباس: من أنفق مائة ألف في حق فليس بسرف، ومن أنفق درهماً في غير حقه فهو سرف، ومن منع من حق عليه فقد قتر، وقاله مجاهد وابن زيد وغيرهما، وقال عون بن عبد الله: الإسراف أن تنفق مال غيرك، قال ابن عطية: وهذا ونحوه غير مرتبط بالآية، والوجه أن يقال: إن النفقة في معصية أمر قد حظرت الشريعة قليله وكثيره، وكذلك التعدي على مال الغير، وهؤلاء الموصوفون منزهون عن ذلك، وإنما التأديب في هذه الآية هو في نفقة الطاعات في المباحات فأدب الشرع فيها ألا يفرط الإنسان حتى يضيع حقاً آخر أو عيالاً ونحو هذا، وألا يضيق أيضاً ويقتر حتى يجيع العيال ويفرط في الشح، والحسن في ذلك هو القوام، أي العدل، والقوام في كل واحد بحسب عياله وحاله وخفة ظهره وصبره وجلده على الكسب، أو ضد هذه الخصال وخير الأمور أوساطها.