وبقينا متحيرين ولم ندرِ ما قال، فقال لنا أعرابي إلى جنبه: أمركم أن ترتفعوا، قال الخليل: هو من قول الله -عز وجل-: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء وَهِيَ دُخَانٌ} [(11) سورة فصلت] فصعدنا إليه فقال: هل لكم في خبرٍ فطير، ولبن هجير، وماء نمير؟ فقلنا: الساعة فارقناه، فقال: سلاماً، فلم ندر ما قال، قال: فقال الأعرابي: إنه سألكم مشاركةً لا خير فيها ولا شر، فقال الخليل: هو من قوله -عز وجل-: {وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا} [(63) سورة الفرقان].
قال ابن عطية: ورأيت في بعض التواريخ أن إبراهيم بن المهدي -وكان من المائلين على علي ابن أبي طالب -رضي الله عنه- قال يوماً بحضرة المأمون وعنده جماعة: كنت أرى علي ابن أبي طالب في النوم فكنت أقول له من أنت؟ فكان يقول: علي بن أبي طالب فكنت أجيء معه إلى قنطرة فيذهب فيتقدمني في عبورها، فكنت أقول: إنما تدعي هذا الأمر بامرأة ونحن أحق به منك، فما رأيت له في الجواب بلاغة كما يذكر عنه، قال المأمون: وبماذا جاوبك؟ قال: فكان يقول لي: سلاماً، قال الراوي: فكأن إبراهيم بن المهدي لا يحفظ الآية أو ذهبت عنه في ذلك الوقت، فنبه المأمون على الآية من حضره، وقال: هو -والله- يا عمّ علي بن أبي طالب وقد جاوبك بأبلغ جواب، فخزي إبراهيم واستحيا، وكانت رؤيا لا محالة صحيحة.
قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا} [(64) سورة الفرقان] قال الزجاج: بات الرجل يبيت إذا أدركه الليل نام أو لم ينم.