والمعنى الأخير يؤخذ من مفهوم الآية، الذي يمشي هوناً لا يظن به سوء، ولا يريد سوءاً ولا اعتداءً على أحد؛ لأن من عادة الذي يريد الاعتداء على أحد أو يريد الإفساد والمعصية أنه يسرع في مشيه ليفرغ منها قبل أن يطلع عليه.
طالب: أخذ الأحكام والتفسير من المنامات؟
لا شك أنه لا يعول عليها ولا يعتمد عليها لكن إن أبدت معنىً صحيح وروجعت لها المراجع ووجد هذا القول من ضمن أقوال أهل العلم، أو مما تحتمله الآية فيكون قول من الأقوال يعني ليس بملزم.
وقال ابن عباس: بالطاعة والمعروف والتواضع، وقال الحسن: حلماء إن جهل عليهم لم يجهلوا، وقيل: لا يتكبرون على الناس، قلت: وهذه كلها معانٍ متقاربة ويجمعها العلم بالله والخوف منه، والمعرفة بأحكامه والخشية من عذابه وعقابه، جعلنا الله منهم بفضله ومنِّه.
وذهبت فرقة إلى أن {هَوْنًا} مرتبط بقوله: {يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ} [(63) سورة الفرقان] أن المشي: هو هون، قال ابن عطية: ويشبه أن يتأول هذا على أن تكون أخلاق ذلك الماشي هوناً مناسبةً لمشيه، فيرجع القول إلى نحو ما بينَّاه، وأما أن يكون المراد صفة المشي وحده فباطل؛ لأنه رب ماشٍ هوناً رويداً وهو ذئب أطلس، وقد كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يتكفأ في مشيه كأنما ينحط في صبب، وهو -عليه الصلاة والسلام- الصدر في هذه الأمة.
وقوله -عليه الصلاة والسلام-: ((من مشى منكم في طمع فليمش رويداً)) إنما أراد في عقد نفسه ولم يرد المشي وحده، ألا ترى أن المبطلين المتحلين بالدين تمسكوا بصورة المشي فقط حتى قال فيهم الشاعر ذماً لهم:
كلهم يمشي رويد ... كلهم يطلب صيد
نعم، هذا الذي يطلب صيد لا بد أن يمشي رويداً لئلا يتنبه له هذا الصيد فيفر ويتركه، معروف هذا، والصيد مثلما يكون من الطيور والوحوش يكون من غيرها، الذي يتحيّن غرّات الناس –نسأل الله العافية- يمشي رويداً.
قلت: وفي عكسه أنشد ابن العربي لنفسه:
تواضعت في العلياء والأصل كابر ... وحزت قصاب السبق بالهون في الأمرِ
سكون فلا خبث السريرة أصله ... وجل سكون الناس من عظم الكبرِ