التاسعة: الماء المستعمل طاهر إذا كان أعطاء المتوضئ به طاهرة إلا أن مالكاً وجماعة من الفقهاء الجلة كانوا يكرهون الوضوء به، وقال مالك: لا خير فيه ولا أحب لأحد أن يتوضأ به فإن فعل وصلى لم أرَ عليه إعادة الصلاة ويتوضأ لما يستقبل، وقال أبو حنيفة والشافعي وأصحابهما: لا يجوز استعماله في رفع الحديث ومن توضأ به أعاد؛ لأنه ليس بماء مطلق ويتيمم واجده؛ لأنه ليس بواجد ماء.
لأن وجود مثل هذا الماء كعدمه فيتيمم مع وجوده ولا يلزم إراقته؛ لأنه انتقل من وصف الطهورية إلى الطهارة؛ لأنه استعمل في رفع الحدث وهذا معروف عند أكثر أهل العلم.
وقال بقولهم في ذلك أصبغ بن الفرج وهو قول الأوزاعي، واحتجوا بحديث الصنابحي خرجه مالك، وحديث عمرو بن عبسة أخرجه مسلم، وغير ذلك من الآثار، وقالوا: الماء إذا توضئ به خرجت الخطايا معه فوجب التنزه عنه؛ لأنه ماء الذنوب، قال أبو عمر: وهذا عندي لا وجه له؛ لأن الذنوب لا تنجس الماء؛ لأنها لا أشخاص لها ولا أجسام تمازج الماء فتفسده، وإنما معنى قوله: خرجت الخطايا مع الماء، إعلام منه بأن الوضوء للصلاة عمل يكفر الله به السيئات عن عباده المؤمنين رحمةً منه بهم وتفضلاً عليهم، وقال أبو ثور وداود مثل قول مالك، وأن الوضوء بالماء المستعمل جائز؛ لأنه ماء طاهر لا ينضاف إليه شيء وهو ماء مطلق.
واحتجوا بإجماع الأمة على طهارته إذا لم يكن في أعضاء المتوضئ نجاسة، وإلى هذا ذهب أبو عبد المروزي محمد بن نصر، وروي عن علي بن أبي طالب وابن عمر وأبي أمامة وعطاء بن أبي رباح والحسن البصري والنخعي ومكحول والزهري أنهم قالوا فيمن نسي مسح رأسه فوجد في لحيته بللاً: إنه يجزئه أن يمسح بذلك البلل رأسه، فهؤلاء كلهم أجازوا الوضوء بالماء المستعمل.