وقد يسمى الشيء بما يؤول إليه، وسمي المطر رزقاً لأنه عنه يكون الرزق، وذلك مشهور في كلام العرب، وقال -عليه السلام-: ((لأن يأخذ أحدكم حبله فيحتطب على ظهره خير له من أن يسأل أحداً أعطاه أو منعه)) وهذا فيما خرج من غير تعب من الحشيش والحطب، ولو قدِّر رجل بالجبال منقطعاً عن الناس لما كان له بد من الخروج إلى ما تخرجه الآكام، وظهور الأعلام حتى يتناول من ذلك ما يعيش به، وهو معنى قوله -عليه السلام-: ((لو أنكم كنتم توكلون على الله حق توكله لرزقتم كما ترزق الطير تغدو خماصاً وتروح بطاناً)) فغدوُّها ورواحها سبب.
يعني ما قال: تجلس في أوكارها، مع هذا التوكل العظيم ما قال: تجلس في أوكارها وترزق، نعم إذا عطّلت هذه الطيور أو غير الطيور مما تبذل به السبب، لو افترضها أن طائر ليس له جناح فلا يستطيع الطيران وليس له ما يتسبب به، فقد وجد في بعض الأحوال أن الله -جل وعلا- يهيئ له ويسبب له ما يقتات منه، ولو لم يتسبب هو؛ لأنه محروم مما يتسبب به.
وقصص في كتب العلماء كثيرة بأن الطائر الفلاني لا يطير مثلاً وأعمى لا يرى، أو الحيوان الفلاني يؤتى له بما يتغذى به، أو يأتيه رزقه في مكانه، كما أنه حصل مثل هذا لبعض الأولياء، أولياء الله -جل وعلا-، كلما دخل عليها المحراب وجد عندها رزقاً، وإلا فالأصل أن بذل السبب هو السنة الإلهية.
فغدوُّها ورواحها سبب، فالعجب العجب ممن يدعي التجريد والتوكل على التحقيق، ويقعد على ثنيات الطريق، ويدع الطريق المستقيم، والمنهج الواضح القويم.