هذا يجلس يتكفف الناس ويسألهم وهذا ليس من التوكل، إنما هو من التأكل، كما قال الإمام أحمد -رحمه الله-، هو مع ذلك بذل السبب ولم يتوكل، يعني بذل سبب غير شرعي، لكن لو بذل السبب الشرعي؛ لأن تكفف الناس وسؤال الناس منهي عنه، هو تسبب وبذل هذا السبب وفي زعمه أنه معطل للأسباب توكلاً على الله -جل وعلا-، نقول: نعم، أنت عطلت الأسباب المشروعة، وسلكت أسباب ممنوعة، فبدلا ًمن أن تعمل وتشتغل وتكدح من أجل طلب الرزق جلست تتكفف الناس وهذا سبب، يعني هلا جلست في بيتك لترى هل ينزل عليك شيء من السماء كرامةً لك أو لا؟ أنت جلست في طريق الناس تسألهم وتتكففهم، وهذا سبب إلا أنه غير شرعي إلا عند الانقطاع وبذل الأسباب، وعدم حصول ما تقوم به الحياة حينئذٍ يباح لك أن تسأل الناس.

ثبت في البخاري عن ابن عباس قال: كان أهل اليمن يحجُّون ولا يتزودون ويقولون: نحن المتوكلون، فإذا قدموا سألوا الناس، فأنزل الله تعالى: {وَتَزَوَّدُواْ} [(197) سورة البقرة] ولم ينقل عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه -رضوان الله عليهم- أنهم خرجوا إلى أسفارهم بغير زاد، وكانوا المتوكلين حقاً، والتوكل اعتماد القلب على الرب في أن يلم شعثه، ويجمع عليه أربه، ثم يتناول الأسباب بمجرد الأمر، وهذا هو الحق، سأل رجل الإمام أحمد بن حنبل فقال: إني أريد الحج على قدم التوكل، فقال: اخرج وحدك فقال: لا إلا مع الناس، فقال له: أنت إذن متكل على أجربتهم.

والأجربة جمع جراب وهو الذي يوضع فيه المتاع، فهو متوكل على هذه الأجربة، وما فيها من أمتعة، فلا شك أن الأسباب تعطيلها خلل في العقل، والاعتماد عليها خلل في الشرع، يعني ضعف في الديانة، الاعتماد عليها دون الله -جل وعلا-، وكونها مؤثرة هي مؤثرة لكن ليست بذاتها، خلاف المعتزلة الذين يقولون: أن الأسباب مؤثرة بذاتها ولا معطلة عن التأثير كما يقول الأشعرية، بل هي مؤثرة والذي جعل فيها التأثير هو الله -جل وعلا-.

وقد أتينا على هذا في كتاب (قمع الحرص بالزهد والقناعة، وردِّ ذل السؤال بالكسب والصناعة).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015