هذه الأقوال في تقليب الليل والنهار، الأول: يقول: قيل تقليبها أن يأتي بأحدهما بعد الآخر؛ لأن الذي يقلَّب هل هو شيء واحد أو أكثر من شيء؟ إذا كان شيء واحد معناه أن الله -جل وعلا- يقلب الوقت، فيجعله أحياناً نهاراً، ويجعله أحياناً ليلاً استقام القول الأول، وأما إذا نظرنا إلى كل واحد بمفرده فكيف يكون تقليبه؟ تقليب الليل بمفرده، وتقليب النهار بمفرده؟ إذا قلنا تقليب الوقت انتهى الإشكال، يأتي بالليل بعد النهار، والنهار بعد الليل هذا تقليب، أما إذا قلنا أنه يقلب النهار على حده، ويقلب الليل على حده، فالتقليب إنما يكون بسبب أحياناً الطول والقصر أو بالحر والبرد، بالظلمة شدتها وخفتها، المقصود أنه يتنزل كلامه الأول على أن المراد به تقليب الشيء الواحد وهو الوقت، وتقليبه يكون: ليل ثم بعده نهار، ثم بعده ليل ثم نهار وهكذا، وهذا تقليب؛ لأن التقليب التغيير، وإذا نظرنا إلى كل واحدٍ على حده فلا بد أن ننظر إلى أوصاف الليل على حده وأوصاف النهار على حده.
طالب: في قوله: (ألم تر) من قال في قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((من رأى منكم منكراً)): لا بد من الرؤية، ما يرد عليه بمثل هذه الآية يا شيخ؟
الشيخ: الرؤية عند أهل العلم تكون بصرية، وتكون علمية، وتكون قلبية، والرؤية إذا بلغك الخبر ممن تثق به فكأنك شاهدته، إذا بلغك الخبر بواسطة من تثق به فكأنه مشاهد، كما في قول الله -جل وعلا-: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ} [(1) سورة الفيل] ما رأى الرسول -عليه الصلاة والسلام-؛ لأنه ولد في تلك السنة، {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ} [(6) سورة الفجر]؟ هو رأى؟ لكن بلغه الخبر بطريقٍ قطعي فكأنه مشاهد، فالخبر المصحح أو المقطوع به بمنزلة المشاهد.
{لَعِبْرَةً} أي اعتباراً، {لِّأُوْلِي الْأَبْصَارِ} أي لأهل البصائر من خلقي.