الرؤية هذه أولها المؤلف -رحمه الله- على أنها قلبية، وليست بصرية؛ لأن هذا الفعل غير مرئي؛ لأن هذا الفعل حقيقته غير مرئي، فلا بد من أن تكون الرؤية قلبية، ولا مانع أن تكون علمية بمعنى: ألم تعلم، لأنه بلغك من النصوص ما يجعل علمك بهذه المسألة كالرؤية.

طالب: يقول المفسر: "وكرر تأكيداً، كقوله: يعلم السر والنجوى" قال في الحاشية: لا يوجد في القرآن آية هكذا، والذي في سورة التوبة: {يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ} [(78) سورة التوبة] وفي طه {يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى} [(7) سورة طه].

الشيخ: هذا لا شك أنه غلطة، على كل حال الأمثلة كثيرة في عطف الشيء على نفسه إذا اختلف المعنى، ما يلزم أن يكون هذه الآية على وجه الخصوص.

وقال النابغة:

إني أتيتك من أهلي ومن وطني ... أزجي حُشاشة نفس ما بها رمقُ

وقال أيضاً:

أسرت عليه من الجوزاء سارية ... تزجي الشمال عليه جامد البرد

{ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ} أي يجمعه عند انتشائه؛ ليقوى ويتصل ويكثف، والأصل في التأليف الهمز تقول: تألف، وقرئ: يولف بالواو تخفيفاً ..

السحاب قد يكون متقطع في أماكن، ثم بعد ذلك يؤلف بينه، يجمع بينه؛ ليكون أقوى.

والسحاب واحد في اللفظ، ولكن معناه جمع، ولهذا قال: {وَيُنْشِئُ السَّحَابَ} [(12) سورة الرعد] و {بين} لا يقع إلا لاثنين فصاعداً فكيف جاز بينه؟ فالجواب: أن {بينه} هنا لجماعة السحاب، كما تقول: الشجر قد جلست بينه؛ لأنه جمع، وذكَّر الكناية على اللفظ، قال معناه الفراء.

وجواب آخر: وهو أن يكون السحاب واحداً، فجاز أن يقال: بينه؛ لأنه مشتمل على قطع كثيرة، كما قال: (بين الدخول فحومل) فأوقع {بين} على الدخول ..

التجويز الأخير يرجع مفاده إلى الأول، ما دام متفرق فيمكن أن تدخل بين أجزائه {بين}، ما تستطيع أن تقول: (زيد جلست بينه) لكن تقول: (جلست بين يديه) لأنه أكثر من جزء، أما بينه باعتباره شيء واحد لا يُجلس بينه، أما بين يديه فهذا ممكن؛ لأنهما اثنتان، والسحاب لو كان قطعة واحدة ما تستطيع أن تجلس بينه، لكن قطع متعددة تجلس بينها.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015