قال المصنف رحمه الله: [فالصلوات الخمس واجبة على كل مسلم عاقل بالغ، إلا الحائض والنفساء، فمن جحد وجوبها لجهله عرف ذلك، وإن جحدها عناداً كفر، ولا يحل تأخيرها عن وقت وجوبها].
ذكرنا أنه لا يحل أن تؤخر الصلاة عن وقت وجوبها، وسنذكر في كتاب مواقيت الصلاة أن لكل صلاة ميقاتاً بينه جبريل للنبي عليه الصلاة والسلام، والله سبحانه قال: {إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} [النساء:103] وأحب الأعمال إلى الله الصلاة في أول وقتها، ولا يحل تأخيرها عن وقت وجوبها.
قال المصنف: [إلا لناوٍ جمعها، أو مشتغل بشرطها، فإن تركها تهاوناً بها استتيب ثلاثاً فإن تاب وإلا قتل].
قوله: (إلا لناوٍ جمعها).
الظهر يجمع مع العصر، والمغرب مع العشاء، وإما أن يكون جمع تقديم أو جمع تأخير، فلا يجوز أن تجمع صلاة الليل مع صلاة النهار، يعني: لا يجوز أن تجمع المغرب مع العصر، هذا لا يجوز، وإنما الجمع يكون لفرضين: إما بالنهار وإما بالليل، وشروطه أربعة: الشرط الأول: أن يكون القصر لصلاة رباعية، فالصلاة الثنائية لا تقصر، والصلاة الثلاثية لا تقصر.
الشرط الثاني: أن يكون القصر في مسافة طويلة قدروها بأكثر من ثمانين كيلو متر، ويرى صاحب المغني أن تحديد المسافة ليس عليه دليل من كتاب ولا سنة وإنما مطلق السفر يجوز فيه القصر.
الشرط الثالث في القصر: أن يكون قد نوى القصر؛ لأن النية أمر هام جداً.
الشرط الرابع للقصر: أن يكون على سفر، فلا يجوز أن يقصر في محل الإقامة، فإذا صار خارج البلدة فله أن يشرع في القصر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قصر الصلاة وهو يرى المدينة؛ لأنه كان قد شرع في السفر.
وهذه الشروط الأربعة للقصر عند الحنابلة سنتحدث عنها.
والجمع رخصة، بمعنى: في حالة الخوف من ضياع الوقت لك أن تجمع، وفي حالة الحبس لك أن تجمع، وفي حالة السفر لك أن تجمع، والنبي صلى الله عليه وسلم جمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء من غير مرض ولا سفر وقال: (حتى لا أشق على أمتي)، رواه مسلم.
يقول بعض العلماء: هذا لأهل الأعذار؛ فمثلاً: يصح الجمع للذي يشق عليه أن يصلي الفرض في وقته كطبيب يقوم بإجراء عملية جراحية لمريض، والعملية قد تستغرق ست ساعات، فإذا فتح بطنه وقام بإجراء العملية وأذن الظهر يستحيل أن يترك بطنه مفتوحاً ليصلي ثم يعود؛ لأن هذا أمر لا يحتمل التأخير فيبقى معه حتى ينتهي تماماً، فإذا دخل وقت العصر وهو لا يزال في إجراء العملية فله أن يجمع الظهر مع العصر.
مثال آخر: طالب في جامعة دخل المدرج الساعة الحادية عشرة، فأغلق الدكتور أبواب المدرج ولم تفتح إلا بعد نداء العصر، وليس هناك ماء، فله أن يجمع في هذه الحالة؛ لتعذر الصلاة؛ لأنه في هذه الحالة لن يستطيع أن يخرج، وإن خرج فسيحدث مفسدة وقد لا يفتح له أحد، فضلاً عن عدم وجود الماء، فإن قال قائل: يتيمم قلنا: الماء موجود، لكنه غير قادر على استخدامه، فالصلاة غير ممكنه في هذه الظروف.
إذاً: هناك ظروف حرجة قد تدفع الإنسان إلى الجمع.
فإذا نوى المسلم الجمع فيجوز له أن يؤخر الصلاة عن وقتها حتى يدخل وقت الصلاة الثانية؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعله، فيجوز تأخير وقت الظهر حتى يدخل وقت العصر، والنبي عليه الصلاة والسلام صلى في يوم عرفة الظهر مع العصر جمع تقديم.
وصلى بالمزدلفة المغرب والعشاء جمع تأخير والظهر والعصر جمع تقديم.
وابن مسعود صلى خلف عثمان رضي الله عنهما في منى، والصلاة في منى في أيام التشريق وفي يوم التروية تكون قصراً لا جمعاً، يعني: كل فرض في وقته ويصلى قصراً: الظهر ركعتين والعصر ركعتين، لكن عثمان رضي الله عنه أتم، وابن مسعود قال له: صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم ومع أبي بكر ومع عمر وكانوا يقصرون الصلاة، أما أنت فقد أتممت وأنت الإمام، فأتم خلفه، ثم قال له: الخلاف شر، فلم يرد أن يختلف مع إمامه، لكن هناك من العلماء من اعتذر عن فعل عثمان بخمسة أقوال أرجحها كما قال الشيخ ابن عثيمين في الشرح الممتع: أنه رضي الله عنه كان قد تأهل في منى، وأقام فيها فأصبحت منى بالنسبة له محل إقامة، وعند ذلك يجوز له أن يتم الصلاة، وهذا أرجح الأعذار التي اعتذر بها بعض العلماء لفعل عثمان؛ لأنه يستحيل أن يتعمد عثمان رضي الله عنه مخالفة السنة، فلاشك أن هناك سبباً جعله يتم، أو يكون قد نزل بمنى ونوى الإقامة، فأصبحت بالنسبة له دار إقامة فينبغي أن يتم فيها الصلاة؛ لأن جمهور العلماء يقولون: إذا نزل المرء إلى بلد ونوى أن يقيم فيها أكثر من أربعة أيام فله أن يتم وليس له القصر، مثال ذلك: إذا ذهبت إلى الإسكندرية من القاهرة وقد حددت مدة إقامتك فيها أسبوعاً، فهل يجوز لك أن تقصر الصلاة هناك؟
صلى الله عليه وسلم لا؛ لأنك نزلت بها وقد نويت الإقامة أكثر من أربعة أيا