الحمد لله رب العالمين، شرع لنا ديناً قويماً، وهدانا صراطاً مستقيماً، وأسبغ علينا نعمه ظاهرة وباطنة.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ولي المتقين، وخالق الخلق أجمعين ورازقهم، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وصفيّه من خلقه وخليله، بلّغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، فما ترك من خير يقربنا من الجنة إلا وأمرنا به، وما من شر يقربنا من النار إلا ونهانا عنه، فترك الأمة على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، اللهم صل وسلم وزد وبارك عليه في الأولين والآخرين والملأ الأعلى إلى يوم الدين.
أما بعد: قبل أن نواصل الحديث مع كتاب العدة في فقه الإمام أحمد للإمام موفق الدين ابن قدامة المقدسي الحنبلي رحمه الله تعالى نذكر بيوم عاشوراء، ويوم عاشوراء هو: اليوم العاشر من شهر الله المحرم.
وشهر الله المحرم من الأشهر الحرم التي قال الله فيها: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ} [التوبة:36]، والأربعة الحرم: ثلاثة على التوالي وشهر رجب الفرد، والتي على التوالي هي: ذو القعدة وذو الحجة والمحرم، ونبينا صلى الله عليه وسلم -قال كما رواه مسلم في صحيحه-: (أفضل الصيام بعد رمضان صيام شهر الله المحرم، وأفضل الصلاة بعد المكتوبة قيام الليل)، فصيام شهر الله المحرم من الأمور التي بينها نبينا صلى الله عليه وسلم.
وصوم عاشوراء كما هو رأي عند الفقهاء كان قد فرض على المسلمين في بدء الأمر قبل أن يفرض رمضان؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم صامه وأمر بصيامه، فلما فرض صيام رمضان نسخ صيام عاشوراء وبقي على التخيير، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: (من شاء صام ومن شاء أفطر)، فتحول صيام عاشوراء من الفرض إلى الندب.
ويوم عاشوراء يوم أنجى الله فيه موسى عليه السلام من الغرق، وأغرق فيه فرعون ومن معه، والنبي صلى الله عليه وسلم صامه وأمر بمخالفة اليهود؛ وقال صلى الله عليه وسلم: (لئن عشت إلى قابل لأصومن التاسع والعاشر)، ثم لم يعش حتى يصوم التاسع والعاشر، وقد يتبادر أن هناك تناقضاً بين قولنا: إنه صامه عند نزوله المدينة، يعني: في أول سنة هجرية وبين قوله: (لئن عشت إلى قابل لأصومن التاسع) ولا تناقض؛ فإنه لما رأى اليهود يصومون عاشوراء صامه وأمر بصيامه، فلما أخبر بأنهم يصومون عاشوراء ويفردونه بالصيام فأمر بمخالفتهم من الله عز وجل، وهذا في العام العاشر، فقال: (لئن عشت إلى قابل لأصومن التاسع والعاشر).
وبهذا استدل العلماء على القاعدة الأصولية التي تقول: شرع من قبلنا شرع لنا ما لم يأت شرعنا بنسخه.
وشيخ الإسلام له تحفظ على هذه القاعدة، ولكن أردت أن أوضح أن الصيام عرف في بني إسرائيل فكانوا يصومون عاشوراء، والنبي صلى الله عليه وسلم صام عاشوراء.
فأريد أن أذكر بصيام هذا اليوم، وينبغي أن تضم إليه يوماً قبله أو يوماً بعده؛ حتى تخالف صيام أهل الكتاب بالنسبة لهذا اليوم، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم عن صيامه: (يكفر ذنوب سنة ماضية)، وما أكثر ذنوبنا! فينبغي أن نتواصى بصيام يوم عاشوراء.