الصلاة من تركها تهاوناً استتيب ثلاثاً، فإن تاب وإلا قتل بالسيف؛ لما سبق، وقد اختلفت الرواية في الذي يجب قتله، فقال القاضي: يجب قتله إذا ترك صلاة واحدة حتى تضايق وقت الثانية؛ لأنه إذا ترك الأولى لم يعلم أنه عزم على تركها، فإذا خرج وقتها علمنا أنه تركها، لكن لا يجب قتله؛ لأنها فائتة، والفائتة وقتها موسع، فيصبر عليه حتى يتضايق وقت الثانية.
والرواية الثانية: أنه يجب قتله إذا ترك ثلاث صلوات ويتضايق وقت الرابعة عن فعلها؛ لأنه قد يترك الصلاة والصلاتين والثلاث لشبهة، فإذا رأيناه ترك الرابعة علمنا أنه عزم على تركها فيجب قتله، وهذا يدل على إباحة قتله.
وقال عليه السلام: (نهيت عن قتل المصلين)، فمفهومه أنه لم ينه عن قتل غيرهم، وقال: (بين العبد والكفر ترك الصلاة)، رواه مسلم.
والكفر مبيح للقتل بدليل حديث: (لا يحل دم مسلم إلا بإحدى ثلاث: كفر بعد إيمان، أو زنا بعد إحصان، أو قتل نفس بغير حق)، متفق على معناه.
فالمقصود: أن تارك الصلاة يستتاب، واختلفوا متى يستتاب، ولـ أحمد في ذلك روايتان: الرواية الأولى: إن ترك الظهر نتركه حتى يأتي وقت العصر، فإن جاء وقت العصر ولم يصل علمنا أنه لم يجمع بينهما وقد خرج وقت الظهر مع العصر وجاء وقت المغرب، إذاً: هو قد ترك فرضين متتاليين يجوز له أن يجمعهما، فإن ترك فرضين متتاليين وجاء الفرض الثالث فإنه يستتاب، والذي يستتيبه هم أهل الحل والعقد، والذي يقتله هو ولي الأمر، أما أن كل أحد يقتل تارك الصلاة فستتحول البلاد إلى برك دماء، فيا عبد الله! أنت غير مأمور بالاستتابة ولا بالقتل، فإن الذي يستتيب تارك الصلاة هم العلماء؛ لأنهم يستطيعون أن ينفوا عنه الشبهة وأن يقيموا عليه الأدلة، والذي يقتله إن أصر على تركها هو ولي الأمر، أما أنا وأنت فليس في يدنا أن نقتل، فانتبه إلى هذا المعنى، ولا تقل: جاري لا يصلي، فتستتيبه ثم تقتله؛ لأن الاستتابة لأهل الحل والعقد، والقتل لولي الأمر، ولا يجوز غير ذلك أبداً.
قال: (فإن تركها تهاوناً بها استتيب ثلاثاً) يعني: ثلاث مرات.
والرواية الثانية لـ أحمد: أن يترك ثلاثة فروض ويدخل وقت الرابعة، يعني: يترك الظهر والعصر والمغرب ويدخل وقت العشاء؛ لأنه ربما يكون متأولاً أو فاهماً فهماً خاطئاً فلا يترك ثلاثة فروض متتالية، وفي الرابعة يستتاب ويقام عليه الحجة ويبين له.
وأنا قلت قبل: إننا لا نتصور أن رجلاً يختار القتل على ترك الصلاة إلا إذا كان جاحداً لها، وهذا ليس ممكناً أبداً.
وهذا يبين بياناً شافياً عظم قدر الصلاة في شرعنا، وأن البعض يضيعها وهو يظن أن هذا أمراً هيناً، وهو أمر عظيم جداً عند الله عز وجل.
قال: [فإذا وجب قتله لم يقتل حتى يستتاب ثلاثاً، ويضيق عليه، ويدعى إلى فعل كل صلاة في وقتها، ويقال له: إن صليت وإلا قتلناك؛ لأنه قتل لترك واجب فتتقدمه الاستتابة كقتل المرتد، فإن تاب وإلا قتل بالسيف لقوله عليه الصلاة والسلام: (إذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته) رواه مسلم].
فانظروا إلى إسلامنا، يعني: حتى في الذبيحة من الأنعام لا بد أن تريحها على الجنب الذي تستريح فيه، ولا تذبحها إلا بالسكين الحادة، حتى لا تعذبها.
وهنا سؤال مهم وهو: رجل يصلي الظهر والعصر والمغرب والعشاء كل يوم بعد العشاء، فما حكمه؟
و صلى الله عليه وسلم أنه يستتاب؛ لأنه خرج بالصلاة عن وقتها، وكأنه لم يصل، يقال له: اجمع الظهر مع العصر، والمغرب مع العشاء، أما أن تصلي صلاة النهار بالليل فلا، يقول أبو بكر رضي الله عنه: إن لله حقاً بالنهار لا يقبله بالليل، وحقاً بالليل لا يقبله بالنهار.
وهنا سؤال آخر يقول: صلاة الجمعة جاءت في وقت الامتحان فهل يحضر الجمعة أو يحضر الامتحان؟
و صلى الله عليه وسلم أن هذا يبين لك أن واضع وقت الامتحان في هذا الوقت ليس له شأن بالجمعة، وأنه في وادٍ والإسلام في وادٍ آخر، فالمفروض أن واضع الامتحان يراعي أوقات الصلاة، فحتى الجمعة التي هي واجب على كل المسلمين يضع الامتحان في وقتها؟! وأقول لك: سقطت عنك الجمعة لأسباب: السبب الأول: أن هناك في علم الأصول ما يسمى تزاحم الواجبات، وهناك واجب مضيق وواجب موسع، وهناك واجب يحتمل التأخير وواجب لا يحتمل التأخير، كمن انشغل بالصلاة فرأى ناراً قد اشتعلت في داره فهل يترك الصلاة أم يطفئ النيران؟ فيؤخر الصلاة؛ لأنه من أهل الأعذار في هذه الحالة، قال العلماء: الشيء الذي لا يحتمل التأخير يقدم، وغالب النساء تسأل: أنا أصلي الظهر وبينما أنا أصلي اشتعلت النار من البوتاجاز في الإناء فهل أترك الصلاة أم أترك البوتاجاز والنار؟ وأقول: هذا لا يحتاج إلى كلام، فالشرع يقول: ما لا يحتمل التأخير يقدم، وهذا يسمى في علم الأصول تزاحم الواجبات.
فأنت الآن إن تركت الامتحان ستعقد لك لجنة خاصة وتُحاسب، فأنت الآن في حكم المحبوس المأسور، والأسر أنواع، لكن إ