قال المصنف: (فإن كان قريباً منها -أي: الكعبة- لزمته الصلاة إلى عينها)، ففرق بين ثلاثة أشياء: من هو داخل المسجد الحرام، فهذا يستقبل عين الكعبة، ومن هو داخل مكة، فهذا يستقبل المسجد الحرام، ومن في أقطار الأرض، فهذا يستقبل مكة، وعليه فنحن نصلي إلى جهة مكة، ولا يقل قائل: نحن نصلي إلى جهة المسجد الحرام أو إلى الكعبة، ولعل هذا في سورة البقرة بين وواضح، فإذا كنت تصلي داخل المسجد فيلزمك أن تتوجه إلى الكعبة، وإن كنت تصلي في مكة فيلزمك أن تتوجه إلى المسجد الحرام، وإن كنت تصلي في خارج مكة فيلزمك استقبال مكة المكرمة؛ لأن مكة يطلق عليها المسجد الحرام، والراجح من أقوال أهل العلم: أن مكة كلها حرم، قال تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ} [البقرة:217]، فالمسجد الحرام المقصود به هنا: هو مكة بدون شك، وليس إخراج الناس من المسجد، بل من مكة، ولذلك يقول ربنا: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ} [التوبة:28]، فالمقصود بالمسجد الحرام هو مكة بإجماع المفسرين، فلا يجوز لمشرك أن يدخل مكة، ثم قال الله: {وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [التوبة:28]، أي: إن خفتم فقراً فلا تخافوا، أو خفتم أن ينقطع العون والمدد فما عند الله أكثر، أو خفتم أن تنقطع الإعانات والدعم فلا تحزنوا.