ثم قال رحمه الله تعالى: (وإن كان بعيداً فإلى جهتها)، لأنه لا يستطيع إصابة العين بخلاف القريب.
قال: (وإن خفيت القبلة في الحضر سأل واستدل بمحاريب المسلمين، فإن أخطأ فعليه الإعادة)، أي: إن كان لا يعرف جهة القبلة، واجتهد في تحديدها، ثم صلى وبان له خطؤه بعد ذلك، فصلاته صحيحة ولا إعادة عليه، وإن صلى دون أن يجتهد في معرفة القبلة، فيلزمه الإعادة، وإن صلى في مسجد وجاء آخر فقال له: القبلة في الجهة الأخرى، لزمه الاستدارة إلى اتجاه القبلة؛ لما ثبت أن أهل قباء استداروا في صلاة الفجر وهم يصلون بعد أن وصلهم خبر تحويل القبلة، ولم يسلموا ويخرجوا من الصلاة، وإنما استداروا في الصلاة.
وقول المصنف: (واستدل بمحاريب المسلمين)، وكلمة: (المحاريب) قد يفهمها البعض بأنها التجويف الذي في الحائط، لا، بل المحاريب مكان الصلاة، قال تعالى: {فَنَادَتْهُ الْمَلائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ} [آل عمران:39]، أي: في مكان صلاته، لا في المكان المجوف الذي يعمله المسلمون اليوم، فهو من البدع المحدثة، وقد دفع ذلك الشيخ الجزائري بقوله: طالما أنه أقيم للإرشاد إلى جهة القبلة فليس بشيء، لكن الشيخ الألباني رحمه الله تعالى يرى أنه بدعة، والمهم أننا نمتثل خير الهدي، وخير الهدي هو هدي نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، فهل أقام عليه السلام تجويفاً في حائط؟ ما أقام عليه الصلاة والسلام، لكن أحياناً الضرورة تستدعي ذلك: كأن يكون المسجد ضيقاً، فإن دخل الإمام في هذا التجويف ترك صفاً، ففي هذه الحالة ليست للتعبد وإنما لسعة المسجد، فتختلف الأمور عند ذلك، والخلاصة: أن السنة أن لا تقام هذه التجاويف في الحوائط، وإنما المحاريب هي أماكن الصلاة.