قال الشارح: (إلا في النافلة على الراحلة للمسافر فإنه يصلي حيث كان وجهه، لما روى ابن عمر: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسبح -يعني: يصلي- على ظهر راحلته حيث كان وجهه يومئ برأسه، وكان يوتر على بعيره صلى الله عليه وسلم، متفق عليه)، وعليه فيجوز للإنسان وهو في القطار أو في السيارة أو على البعير أو على الدابة أن يصلي وهو جالس، وليس شرطاً أن يستقبل القبلة، وقد دخل النبي صلى الله عليه وسلم مكة ساجداً على راحلته صلى الله عليه وسلم، وفي ذلك يقول: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} [البقرة:115]، وهذا في صلاة النافلة على الراحلة فحسب، وأما في الفريضة فلا بد فيها من استقبال القبلة.
ثم قال الشارح: (والعاجز عن الاستقبال لخوف أو غيره؛ لأنه فرض عجز عنه أشبه القيام؛ لأن الله قال: {فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا} [البقرة:239])، أي: صلوا قياماً على أرجلكم، أو وأنتم راكبون في حال القتال، ولذا فإن عجز عن استقبالها في حال الفرض جاز له أن يصلي إلى جهة غير القبلة، كالمسافر في الطائرة سفراً طويلاً، كيومين أو ثلاثة، فله أن يصلي إلى غير اتجاه القبلة؛ لأنه عاجز عن استقبالها، وله أن يصلي قاعداً إن عجز عن القيام، ولا يجوز له أن يؤخر الصلاة -طالما أنه مسافر- حتى يخرج وقت الصلاة الأخرى، كالظهر مع العصر، والمغرب مع العشاء، فحد أقصى أن يؤخر الظهر إلى آخر وقت العصر، أما أن يخرج وقت الظهر ويخرج وقت العصر، أو يخرج وقت المغرب ويخرج وقت العشاء ولا صلاة، فلا يجوز ذلك مطلقاً، وإنما يصلي حسب قدرته واستطاعته، لأن الله قال: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج:78]، وأما إن كان في سيارة وسيقف بعد ساعة أو ساعتين، فلا بد عليه أن ينتظر حتى يحقق القيام في الصلاة، ولا يجوز له أن يصلي إيماءً ويقول: إنه مسافر، بل طالما أنه يستطيع القيام واستقبال القبلة فلا بد من ذلك، وهذا الكلام في حال العجز التام عن استقبالها، والأمر ليس بيده.