فلما مات المهدي جزع عليه جزعاً شديداً، ورثاه بأشعار اخترنا منها قوله: الكامل
لو خلّدت بعد الإمام محمّدٍ ... نفسي لما فرحت بطول بقائها
كم قائلٍ لمّا أتاه نعيّه: ... ليت اللّيالي آذنت بفنائها
إنّ البلاد غداة أصبح ثاوياً ... كادت تعود جبالها كصفائها
ترك المسامع فقده مستكّةً ... وشجا النّفوس وحال دون عزائها
فاليوم شاغبت النّفوس حرارةٌ ... كالنّار موصدةً على أحشائها
واليوم أظلمت البلاد وربّما ... كشفت بغرّته دجى ظلمائها
واليوم أصبحت الأرامل ولّهاً ... تدعو وما ظلمت بطول شقائها
كانت تعوذ من الشّتاء إذا شتت ... بفنائه وتعيش في أذرائها
وتبيت آمنةً لدى حجراته ... كحمام مكّة قطّناً وظبائها
أفنى البكاء على الإمام محمّدٍ ... ماء العيون فأستعدت بدمائها
لمّا استنار ببطن مكّة هلكه ... حنّ التّراب إليه من بطحائها
فرحت بطون الأرض إذ كسيت به ... نوراً جلا ظلماتها بجلائها
وبكت أمير المؤمنين ظهورها ... إذ غاب زين عشيّها وضحائها
كانت خلافته خلافة رحمةٍ ... حتّى مضت أيّامه لمضائها
ما مرّ من يومٍ عليه وليلةٍ ... إلاّ تدفّق كفّه بعطائها
روّى الظّماء بوادياً وغوادياً ... عفواً بأرشية النّدى ودلائها
عمّ الصّحاح بعدله وبعرفه ... وشفى المراض بسيفه من دائها
وصلت جناحي من فواضل سيبه ... سبعون ألفاً راشني بحبائها
فلأتبعنّ له المديح مراثياً ... يبقى على المهديّ حسن ثنائها
أثني لأجزيه أيادي عرفه ... عندي ولست ببالغ لجزائها