ولا تجمدا عينيّ قد حسّن البكا ... وفرط الأسى فقد المغيّب في القبر
ليغركما بالبثّ أن لست واقفاً ... من الصّبر يوماً بعد عمروٍ على عذر
سلامٌ وسقيا من يد الله ثرّةٌ ... على جسدٍ بالٍ بلمّاعةٍ قفر
جرت فوقه الأرواح أمناً لجريه ... وقد كنّ حسرى حين يجري كما تجري
تولّى النّدى والبأس والحلم والتّقى ... فلم يبق منها بعد عمرٍ وسوى الذّكر
فإن تطوه الأيّام لا تطو بعده ... صنائع منه لا تبيد على النّشر
متى تلقه لا تلق إلاّ ممنّعاً ... حماه، مصون العرض مبتذل الوفر
وأيّ محلٍّ لا لكفّيه نعمةٌ ... على أهله من أرض برٍّ ولا بحر
وما اختلفت حالان إلاّ رأيته ... ركوب الّتي تسبي هيوب الّتي تزري
ومن تكن الأوراق والتّبر ذخره ... فما كان غير الحمد يرغب في ذخر
كلا حالتيه الجود أنّى تصرّفت ... به دول الأيّام في العسر واليسر
وما عدمت يوماً لكفّيه أنعمٌ ... تضاف له منها عوانٌ إلى بكر
وما انتسبت إلاّ إليه صنيعةٌ ... وما نطقت إلاّ به ألسن الفخر
يرى غبناً يوماً يمرّ وليلةً ... عليه ولم يكسب طريقاً من الشّكر
تغضّ له الأبصار عند اجتلائه ... وليس به إلاّ الجلالة من كبر
ترى جهره جهر التّقيّ وسرّه ... إذا ما اختبرت السّرّ أتقى من الجهر
ولم يصح من يومٍ ولم يمس ليلةً ... بغير اكتساب الحمد مشتغل الفكر
وكانت تعمّ النّاس نعماء كفّه ... فعمّوا عليه بالمصيبة والأجر
تناعاه أقطار البلاد تفجّعاً ... لمصرعه تبكيه قطراً إلى قطر
تباشر بطن الأرض أنساً بقربه ... وأضحت عليه وهي خاشعة الظّهر
ولم تك تسقى الأرض إلاّ بسيبه ... إذا ما جفا أقطارها سبل القطر
إذا نشأت يوماً لكفّيه مزنةٌ ... أديل الغنى في كلّ فجٍّ من القفر
هوى جبل الله الّذي كان معقلاً ... وعزّاً لدين الله، ذلاً على الكفر
عجبت لأيدي الحتف كيف تغلغلت ... إليك وبين النّسر بيتك والنّسر
وما كنت بالمغضي لدهرٍ على القذى ... ولا ليّنٍ للحادثات على القسر
ولو دفع العزّ الحمام عن امريءٍ ... لما نال عمراً للحمام شبا ظفر