وسمعت أبا أيوب سليمان ابن وهب يتحدث بقطعة من خبر محمد بن عبد الملك في ضنه بابنه هذا. فرثاها ببيتين هما جاريان على ألسن الناس مشهوران: الطويل
يقول لي الخلاّن لو زرت قبرها ... فقلت: وهل غير الفؤاد لها قبر؟
على حال لم أحدث فأجهل عهدها ... ولم أبلغ السّنّ الّتي معها الصّبر
ورثاها فقال شعراً يقرب من القلب، ويضطر إلى تصديقه، ويرتاح لعهد قائله، ويرحم لشكوى بثه وهو: الطويل
ألا من رأى الطّفل المفارق أمّه ... بعيد الكرى عيناه تنسكبان؟
رأى كلّ أمٍّ وابنها غير أمّه ... يبيتان تحت اللّيل ينتجيان
يرنّ بصوتٍ فضّ قلبي نشيجه ... وسحّ دموعٍ ثرّة الهملان
وبات وحيداً في الفراش تحثّه ... بلابل قلبٍ دائم الخفقان
ألا إنّ سجلاً واحداً إن هرقته ... من الدّمع أو سجلين قد شفياني
فلا تلحياني إن بكيت فإنما ... أداوي بهذا الدّمع ما تريان
وإنّ مكاناً في الثّرى خطّ لحده ... لمن كان من قلبي بكلّ مكان
أحقّ مكانٍ بالزّيارة والهوى ... فهل أنتما إن عجت منتظران؟
فهبني عزمت الصّبر عنها لأنّني ... جليدٌ، فمن بالصّبر لابن ثمان؟
ضعيف القوى لا يطلب الأجر حسبةً ... ولا يأتسي بالنّاس في الحدثان
ألا من أمنّيه المنى وأعدّه ... لعثرة أيّامٍ وصرف زمان؟
ألا من إذا ما جئت أكرم مجلسي ... وإن غبت عنه حاطني وكفاني؟
فلم أر كالأيّام كيف تصيبني ... ولا مثل هذا الدّهر كيف رماني
ولا مثل أيّامٍ فجعت بفقدها ... ولا مثل يومٍ بعد ذاك دهاني
أعينيّ إلاّ تسعدا اليوم عبرتي ... فبئس إذن ما في غدٍ تعداني
أعينيّ إن أنع السّرور وأهله ... وعهد الصّبا عندي فقد نعياني
أعينيّ إن أبك البشاشة والصّبا ... فقد آذنا منّي وقد بكياني
ألا إنّ بيتاً لم أزره لشدّ ما ... تلبّس من قلبي به وعناني
ألا إنّ بيتاً لم أزره لعزّ ما ... تضمّن منه في الثّرى الكفنان
وقال رجل من الأنصار يذكر امرأة كانت له، وكانت به برة، وله حافظةً إذا غاب، وسارةً إذا حضر، فأصيب بها: الطويل