ملتفت لغيره، بل يغفل عن غير حالته الراهنة من أحواله، فإذا وافقه شيء، قضى بحسنه مطلقا، وأضاف الحسن إلى ذاته، فيقول هو في نفسه حسن، ويغفل عن قبحه لموافقته غرضه، فيكون قد قضى بثلاثة أمور: أحدها- كونه حسنا. والثاني- إضافة الحسن إلى نفسه. والثالث- قضاؤه بذلك على العموم. وهو مصيب في واحد منها، وهو أصل الاستحسان. ومخطئ في اثنين وهما: الإضافة إلى النفس، والقضاء على العموم. فإنه قد يستقبح عين ما استحسن إذا اختلف الغرض.
السبب الثاني للغلط: إن ما هو مخالف للغرض في كثير من الأحوال إلا في حالة نادرة، لا يلتفت الذهن إلى تلك الحالة النادرة، بل لا يخطر بالبال، فيراه مخالفا للغرض في كثير من الأحوال، فيقضي بقبح الكذب مطلقا. فإنه [ألقي] ليه منذ الصبا على سبيل التأديب، أن الكذب قبيح لا ينبغي أن يقدم عليه أحد، ولم ينبه على حسنه في بعض الأحوال، خيفة من أن لا تستحكم نفرته عنه فيقدم عليه. فتقرر تقبيحه عنده مطلقا، فإن لم يكن على ذكره إلا أكثر الأحوال، وهو بالإضافة إليه كل الأحوال، فينفر عنه ويجد التصديق به مطلقا. فإذا عرضت عليه تلك الحال الخاصة، وجد في نفسه نفرة عنها، ويغلبه الوهم على القضاء به على العموم.
السبب الثالث للغلط: أن المقرون بالشيء في بعض الأحوال، قد يسبق الوهم إلى الاقتران على العموم، لاسيما إذا كان الاقتران كثيرا. ومن هذا الوجه (11/ب) غلط الطاردون في ربط الأحكام بمجرد اقترانها بالأوصاف. على ما سيأتي بيانه، إن شاء الله تعالى. وذلك عمل الوهم.