وأما الفقهاء فالحد هو الذي ذكره الإمام عنهم. واختلفت عبارات المعتزلة فيه، فقالوا ما ذكره الإمام عنهم، وربما أبدلوا لفظ الحكم وقالوا: على أن مثل الحكم الثابت زائل في المستقبل، وهذا هو الصحيح على أصولهم، لأن الحكم الأول لا يزول ولا يتبدل ولا يسقط، وإنما مِثْله هو الذي يتعرض لذلك، لأنه لو لم يرد الناسخ، لتجدد مثل الحكم الأول، فورود النسخ يمنع التجدد. وإنما صار المعتزلة إلى ذلك، لأن الحكم قول، والأقوال عندهم لا تبقى، فلابد من تجددها.

وأيضًا فإنهم وإن صاروا إلى بقاء الأقوال، إلا أنهم لا يصح عندهم النسخ بمعنى الرفع بخال، إذ الأمر عندهم يتبع الصفات، إما الذاتية أو التابعة للحدوث، وهي مستمرة ثابتة، لا تتبدل ولا تزول، فاستحال أن يرجع النسخ عندهم إلى الرفع.

ومذاهب الفقهاء قريبة من مذاهبهم، لا على مقتضى أصولهم، ولكن لأنهم لم يعقلوا الرفع لكلام الله تعالى، فرجعوا إلى ما يتعقل بالبيان، وإزالة ما كان المكلف يظن دوامه. فلفظ الإزالة تجوُّز، وإنما هو بيان محض.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015