والسبب في ذلك أن هذه الشهادة تفيد غلبة الظن من حيث الجملة في أن قوله صواب. فإذا كان النظر الخاص في عين المسألة يوجب ضعف دليله، فكيف يترك الأمر الخاص لأمر جلي؟ فإن مقصوده من المحل المخصوص، أنه لا تبقى غلبة الظن بقوة مأخذه مع ظهور القوة في خلافه.
وإذا امتنع أن يصير إلى قوله عندما يثبت عنده ضعف مأخذه، فكذلك إذا غلب على الظن الاستواء. فالمصير إلى التقديم يقتضي حصول غلبة ظنٍّ بقوة ما يصير إليه من الدليل، والنظر الخاص يقتضي غلبة ظن التسوية. فلا وجه لترك الاستواء المظنون من الجهة الخاصة.
هذا هو الجاري على قول من يقول كل مجتهد مصيب. أما من يقول المصيب واحد، فلا يبعد أن يرجِّح بقول الصحابي. إذ هذا القائل لم يظن الاستواء بحال، إذ الأمر ملتبس عليه، والاستواء عنده مفقود. وقد لا يصير إلى تقديم ما صار إليه الصحابة، لأنه قد تبين بالبحث الخاص أن الجهات الظاهرة ليس فيها ما يقتضي تقديمًا، فيغلب على ظنه بسببها أن المرجِّح سلك في الترجيح غير مسلكه، فيجوز ألا يترجح عنده أحد السببين بمصير الصحابي إليه. هذا محل احتمال. والظاهر عندي على هذا الأصل الترجيح بمذهب الصحابي. ولعل الشافعي رحمه الله إنما بنى الترجيح على ذلك، وهو الظن به.
وما ذكره الإمام من تلك الرتب، أمور مستغنى عنها عندنا. وبيانه: أن