الجملة، إلا في مواضع التعبد، كترك الحكم بشهادة العبيد العدول، والامتناع من القضاء بقول المرأة الواحدة، وإن غلب على الظن صدقها. ولكن هذا في مواضع قليلة، ثبت فيها التعبد، وأكثر الشريعة على خلاف ذلك.
اعترض القاضي على هذا بأن قال: لا يصح الاعتماد على مجرد ميل النفوس، بل ينبغي أن يفرق العاقل بين الوهم والظن، فإن الظن يرجع إلى أسباب صالحة، والوهم ميل النفس من غير سبب صالح لذلك. والعامي لا يقدر على تحصيل الظن، بأن أحد [العالمين] أعلم من الآخر، فإن قضايا التفضيل أمور غامضة، وعليها أدلة خفية، فمن أين يقدر العامي على ذلك؟ فإن قدر عليه، فلينظر في نفس المسألة، وليس له أهلية ذلك.
وهذا كلام عظيم، ولكن الجواب عنه أنا نقول: من مرض له مريض- وإن لم يكن طبيبًا- أو اجتمع في البلد أطباء، وغلب على ظنه أن أحدهم أطب من الباقين، فعدوله إلى الضعيف، مع التمكن من القوي، عين التقصير. ولا ينكر حصول غلبة الظن بأطب الرجلين للعامي. فكذلك يجري هذا في أعلم الرجلين.
ولكن في هذا الجواب نظر، وذلك أنه يتأتى [للعامي] حصول غلبة الظن بتفاصيل الأطباء في الطب، لأن الآثار عاجلة، فيعرف ذلك بكثرة نجح معالجته، وحصول (169/ ا) البرء لمن يلاطفه، وآثار العلم مدخرة في الدار الآخرة، لا يوقف عليها إلا بإخبار الصادق، وأدلتها في الدنيا غامضة، لا يقف عليها العوام بحال. فمن هذه الجهة تغمض المسألة.