ما [ذكرناه]، وهو صحة [فهم] معاني الأسباب، واتباع معنى السبب، [امتنع] الاقتصار على صورته عند فهم معناه. وهذا هو الذي يعبر عنه بالتنقيح. وما سلط على إزالة الظاهر إلا المعنى المفهوم، وهو كأنه معارض للظاهر ومزيل له، إذ الظاهر التعليل بنفس الجماع، فإذًا انضبط معنى الهتك، حتى عدل عن ظاهر الوقاع إلى معقول الإفطار. ولو لم ينضبط ذلك، لم يجز العدول عن الظاهر بحال. فكذلك يصح ضبط حكمة المعنى حتى يتعدى إلى محل غير مذكور أصلًا، اعتمادًا منا على فهم مقصود المعنى. وهذا هو الذي عبرنا عنه بتنقيح المناط، وقد سبق تمثيله وتحقيقه.
وكيف ينكر ذلك، وقد صار الجميع إلى فهم معنى قوله - صلى الله عليه وسلم -: (لا يقضي القاضي وهو غضبان)، أنه لم يرد به عين الغضب؟ وإنما أراد بذلك النهي عن القضاء في حالة دهش العقل وحيرته، حتى يلتحق به الجوع المفرط، والألم المبرح، وحتى يجوز القضاء مع الغضب اليسير. كل ذلك اعتمادًا منا على فهم أسرار العلل وبيان معانيها.
وكذلك نقول: الصبي يولى عليه، لمصلحة نفسه، لعجزه عن ضبط ماله وحفظه، [فالمجنون] بذلك أولى، فلينصب سببًا. هذا كلام معقول، لا يدفعه منصف، فكيف يقال: [إنه] لا يلفى للأسباب علة مستقيمة؟