فلئن قيل: فيها نص. قلنا: ذلك النص يمكن الوصول إليه أو لا يمكن؟ (61/ ب) فإن أمكن الوصول إليه، [فقد تحقق التكليف، ولزمت المعصية بالمخالفة. وإن لم يكن الوصول إليه]، فليس بحكم في حق من لم يمكنه ذلك. ولئن قيل: أخطأ، فعلى سبيل تجوز، معناه: أخطأ ما سيصير عليه حكمًا عند بلوغه إياه. قالوا: والحاصل [أن] ما لا دليل عليه، فلا تكليف علينا فيه، وما عليه دليل قاطع، يتأتى للمكلف الوقوف عليه. فإذا لم يقف عليه، كان مقصرًا عاصيًا.
فإن قيل: سقط العصيان عنه للغموض. قلنا: إن انتهى الغموض إلى حدٍّ يحيل الاطلاع، فلا تكليف. وإن كان غامضا مع إمكان العثور، فالمشقة لا تنهض سببًا لسقوط التكليف. ولئن قيل: عليه دليل ظني، فالأمارات الظنية ليست أدلة على الحقيقة؛ (47/ ب) وهي تختلف باختلاف النفوس والطباع، فرب شيء يحرك ظن زيد، وهو بعينه لا يحرك ظن عمرو، وهو بمثابة استحسان الأصوات والألوان، فرب شيء حسنٍ عند زيد، قبيح عند عمرو. وليست الأدلة القطيعة كذلك. قالوا: فسبب هذا الوهم الاعتقاد بأن الأمارات الظنية أدلة على الحقيقة، وليس كذلك.
فلو قيل: فيها أدلة قطيعة، ولكن حط الإثم عن المجتهد لغموضها، [لكان] ذلك باطلًا قطعًا، فإنا نعلم بالضرورة أن [أكثر] مسائل الشريعة ليس فيها أدلة قطعية، فإن الأدلة القطعية [نصوص] كتاب، أو [نصوص]