مصرحة بثبوت الحق وتعيينه، وتطرق الخطأ وإمكانه. هذا تمام الكلام ومجرى الدليل. فلنذكر [الآن] شبه المخالفين، وهي تنقسم إلى عقلية وإلى سمعية. فلنبدأ بالعقلية.

قالوا: كشف الغطاء في ذلك، أن المسائل انقسمت إلى ما لا نص فيها، وإلا ما فيها نص. فإن فرض الكلام فيما لا نص فيه، استحال الخطأ في ذلك، إذ كيف يتصور أن يقال: أخطأ الحكم، ولا حكم في المسألة؟ هذا محال، لا خفاء باستحالته، فلا معنى للإطناب فيه.

الطرف الثاني: مسألة فيها نص، فيقال: لا يخلو، إما أن يكون الاطلاع على النص ممكنا، وإما أن يكون مستحيلا، فإن كان مستحيلا، فلا تكليف علينا بالمستحيل، لاستحالة تكليف ما لا يطاق.

وبيان ذلك بالمثال: أنه لما كان التوجه إلى بيت المقدس ثابتا بالسنة المتواترة، فإذا نزل جبريل [- عليه السلام -] على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالأمر بالتوجه إلى الكعبة، ولم تطلع الصحابة على ذلك، ولا يصح أن يكون التكليف توجه عليهم بالأمر باستقبال الكعبة، وكيف يقدر ذلك وهم لو استقبلوا لعصوا؟ وكذلك لو بلغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أهل بيته أو أهل مسجده، فلم [يمكن] [وصول] التبليغ إلى غيرهم، لاستمر التكليف على من لم يبلغه الناسخ، ولو لم يفعل بمقتضى ذلك، [لكان] عاصيًا. وكيف يفرض وجوب الاستقبال عليهم، وهم لو استقبلوا لعصوا؟ فإذا كان هذا هو الحكم في مسألة فيها نص، [فالتي] لا نص فيها أولى.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015