فالإمام يرى أن المطلوب [الحكم]، [مباشرٌ] بالطلب، فيلزم سبق الحكم، ثم يتوجه الطلب نحوه، فقد تمكن الإصابة، وقد يمكن الخطأ. والقاضي وغيره يقولون: إنما يتوجه الطلب نحو أمور ثابتة، غير الحكم، وهو مثلا: أن يطلب ظن صدق الراوي، أو ظن استغراق العموم، أو ظهور صيغة (افعل) في الطلب. وهذه أمور ثابتة، فإذا ثبتت هذه الأمور في النفس ظنًا، ترتبت الأحكام الشرعية على الظان ثانيًا، فيكون الحكم يثبت تابعا لحصول غلبات الظنون في تحقيق تلك الإمارات. فأما المصير إلى توجه الطلب لحصول ما يعلم نفيه، فلا يتصور.

يبقى أن يقال: فإذا كان المطلوب مثلا صدق الراوي، فإذا تناقض [الطالبان] في الصدق، فظن أحدهما صدق الراوي، وظن الآخر كذبه، هل يتصور أن يكونا مصيبين (46/ ب) في ذلك أم لا؟ فيقال في النظر في الأمارات ما قيل في الأحكام. قلنا: محال أن يكونا مصيبين في الأمارات مع التناقض، لكن يجوز أن يجعل الله [تعالى] ظنه الصدق، سببا لثبوت الحكم عليه، فيكون مصيبا في الحكم، وإن غلط في الصدق، كما إذا قضى القاضي بشهادة من يظن أنه صادق، فالحاكم مصيب، وإن كان الشاهد كاذبًا. ولكن إذا حكم من صدق [المخبر] بمقتضى الخبر على العموم، وأضاف الحكم إلى الله تعالى، وحكم من ظن الكذب، أو لم يظن الصدق، بأن الحكم لم يوجهه الله تعالى على أحدٍ من عباده، استحال أن يكونا صادقين. هذا هو الذي يقوله من قال المصيب واحد.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015