وأما الوجه الثاني الذي تمسك به الإمام في الترجيح، وهو أنه: كيف يسنح للمجتهد مسالك، فيرى بعضها أرجح من بعض، مع المصير إلى أن الظنون لا تختلف؟ فهذا لعمري لازم، فإنه إذا تحقق في القلب الاستواء مع تصوير الترجيح مع تحقيق الاستواء. (60/ ب) وهذا يظهر [أنه] متناقض. ولكن [جواب القوم] عنه أنهم يقولون: إنما يكون الترجيح في الأمارات التي تترتب الأحكام عليها. فإنا نقول: إذا تناقض قول العدلين، فمن هو أعدل، فالظن بصدقه أقوى، فيطلب الترجيح في هذه الأمارات، لا بالنظر إلى أقرب الأمرين في الحكم الثابت عند من لا يرى ثبوت الحكم. هذا ممتنع [عندي]، وإنما يصرف الترجيح إلى ما ذكرناه [من أنه أقوى]. فإذا قوي في النفس أحد السببين، ترتب الحكم عليه حينئذ، فيثبت الترجيح لذلك.

وأما الترجيح على مذهب من يقول المصيب واحد، فلا يتصور الترجيح بين دليلين على الحقيقة، إذ ليس إلا حكم واحدٌ، ولا دليل على الحقيقة إلا واحدٌ، والترجيح بين فاسد وصحيح، غير صحيح. نعم، إذا ثبت أن أحد الأمرين أقوى في النفس، ظن أن الحكم على وفقه، [فيسمى] ترجيحًا من هذه الجهة خاصة، وإلا [فشرط] الترجيح الحقيقي أن يكون كل سبب، لو قدر منفردا صحيحًا.

وقد جاءت أدلة توقيفية تدل على أن المصيب واحد، وليست قواطع، لأنها منقسمة إلى متواترات ظواهر، وإلى نصوص آحاد. أما الظواهر، [فمن]

طور بواسطة نورين ميديا © 2015