الناظر، فإنه إذا ادعى كون وصف مناطًا، ودل على ذلك بما يليق به، اكتفي منه بذلك، ولم يكلف البحث والسبر، وإبطال ما سواه باتفاق النظار. وقد نقل عن القاضي رحمه الله أنه كان يرى ذلك، ويفعل في المناظرة ما يفعله المجتهد (49/ ب)، من البحث والحصر والإبطال، حتى لا يبقى [لخصمه] كلام بحال. وهذا وإن كان منه اتساع في المقال، فهو أمر اتفق النظار على خلافه. [وأقام] الجدليون بانيا وهادما لمصلحة التهذيب والتمرين، وذلك أقرب إلى مصلحة الفريقين. وإذا استقرت قدم المستدل بتحقيق دعواه بما يعضدها، بما يكون من الأدلة، اكتفي منه بذلك. فإن كان خصمه لا اعتراض عنده، لزمه الانقياد إليه، فإن كان عنده غيره، فليبده ليتكلم عليه.
وأما المجتهد، فلا يكتفي بذلك، ونقل القاضي وغيره في ذلك الإجماع. غير أني رأيت لبعض الأصوليين نقل الخلاف فيه، وإن [كان] من الناس من ذهب إلى الاكتفاء بذلك، وسلك بالمجتهد مسلك المناظر، وربما تمسك في ذلك بقول معاذ حيث (38/ ب) قال: (أحكم بكتاب الله، فإن لم أجد، حكمت بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم). الحديث. فلم ينظر في السنة إلا بعد فقدان الكتاب، وإن أمكن أن يكون في السنة معارض للكتاب. وهذا القول باطل قطعا،