ابن عمر لأهل القدر: (إذا لقيتهم فأعلمهم أني برئ منهم وأنهم برآء مني). وكذلك قتال أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للخوارج، وإباحة دمائهم. كيف يليق مع هذا تفويض أمر الدين إليهم، وحمله عنهم، وقد قال - عليه السلام - فيهم: (تقتلهم أقرب الطائفتين إلى الحق، أو أولى الطائفتين بالحق)؟ فهذه أدلة بينة تدل على المقاطعة والمهاجرة والتباعد بالكلية. وفقدان الأدلة على قبول الرواية، كافٍ في الامتناع من القبول.
واعلم أنا لسنا نعني بعدالة كل واحد من الصحابة أن العصمة له ثابتة، والمعصية مستحيلة، وإنما نريد أن الرواية منه مقبولة من غير تكلف بحث عن أسباب العدالة، وطلب التزكية، إلا أن يثبت ارتكاب ما يقدح في العدالة، ولم يثبت ذلك، والحمد لله.
فنحن على استصحاب ما كانوا عليه في زمن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، حتى يثبت بطريق صحيح ما يقدح فيه. ولا التفات إلى ما يذكره أصحاب السير من الأخبار، فإن أكثرها ضعيفة. بل يتثبت الناظر حتى يصح عنده النقل بالطرق الصحاح من أهل هذا الفن. وإذا ثبت ذلك، فلا يقصر عن طلب التأويل والمعاذير، ولا يعدمها الموفق بحال. وإنما النفوس التي فيها الظعن والتعصب تقبل كل وارد، ولا تبالغ في التفتيش عن الأعذار، فيوجب ذلك نفرة في القلوب، وحطا من منصب خيار الخلق. نعوذ بالله من الحيرة، واتباع الجهل والهوى.