وقال يحيى بن معين: كان أحمد بن حنبل ينهانا عن الشافعي، ثم استقبلته يومًا والشافعيُّ راكبٌ بغلةً وهو يمشي خلفه، فقلت: يا أبا عبد اللَّه! تنهانا عنه، وتمشي خلفه؟! فقال: اسكت! لو لزمتَ البغلة لانتفعتُ.
وقال الشافعي: قدمت على مالك بن أنس، وقد حفظتُ "الموطأ"، فقال لي: أَحضرْ من يقرأ لك، فقلت: أنا قارىء، فقرأت عليه "الموطأ" حفظًا، فقال: إن يكُ أحدٌ يفلح، فهذا الغلام.
وكان سفيان بن عُيينة إذا جاءه شيء من التفسير أو الفتيا، التفت إلى الشافعي، فقال: سلوا هذا الغلام. وقال الحميدي: سمعت الزنجيَّ بنَ خالد - يعني: مسلمًا - يقول للشافعي: أَفتِ يا أبا عبد اللَّه! فقد واللَّه آنَ لك أن تفتي، وهو ابن خمس عشرة سنة.
وقال محفوظ بن أبي توبة البغدادي: رأيت أحمد بن حنبل عند الشافعي في المسجد الحرام، فقلت: يا أبا عبد اللَّه! هذا سفيان بن عُيينة في ناحية المسجد يحدث، فقال: إن هذا يفوت وذاك لا يفوت.
وقال أبو حسان الزيادي: ما رأيت محمدَ بنَ الحسن يعظِّم أحدًا من أهل العلم تعظيمَه للشافعي، ولقد جاءه يومًا، فلقيه وقد ركب محمد بن الحسن، فرجع إلى منزله، وخلا به يومه إلى الليل، ولم يأذن لأحد عليه.
والشافعي أول من تكلم في أصول الفقه، وهو الذي استنبطه. وقال أبو ثور: من زعم أنه رأى مثلَ محمد بن إدريس في علمه وفصاحته ومعرفته وثباته وتمكنه، فقد كذب، كان منقطع القرين في حياته، فلما مضى لسبيله، لم يعتض منه.
وقال أحمد بن حنبل: ما أحد ممن بيده محبرة أو ورق إلا وللشافعي في رقبته منة. وكان الزعفراني يقول: كان أصحاب الحديث رقودًا حتى جاء الشافعي فأيقظهم، فتيقظوا. ومن دعائه: "اللهمَّ يا لطيفُ أسألك اللطفَ فيما جرت به المقادير"، وهو مشهور بين العلماء بالإجابة، وهو مجرب، وفضائله أكثر من أن تعد.
ومولده سنة خمسين ومئة، وقد قيل: إنه ولد في اليوم الذي تُوفي فيه الإمام