الحديث، فاشتهر به، وبالغ في طلبه إلى أن جمع منه ما لم يتفق لغيره، ورحل وطَوَّفَ وجاب البلاد، ولقي المشائخ.
وكان رفيقَ الحافظ أبي سعيد، عبدِ الكريم السمعاني في الرحلة، وكان حافظًا دَيِّنًا، جمعَ بين المتون والأسانيد، سمع ببغداد في سنة 520 من أصحاب البرمكي، والتنوخي، والجوهري، ثم رجع إلى دمشق، ثم رحل إلى خراسان ودخل نيسابور، وهراة، وأصبهان، والجبال، وصنف التصانيف المفيدة، وخرج التخاريج.
وكان حسنَ الكلام على الأحاديث، محفوظًا في الجمع والتأليف، صنف "التاريخ الكبير" لدمشق، في ثمانين مجلدًا، أتى فيه بالعجائب، وهو على نسق "تاريخ بغداد"، وله غيره تواليف حسنة، وأجزاء ممتعة، وله شعر لا بأس به، فمن ذلك قوله:
ألا! إن الحديثَ أجلُّ علمٍ ... وأشرفُه الأحاديثُ العَوالي
وأنفعُ كلِّ نوع منه عندي ... وأحسنُه الفوائدُ والأمالي
وإنك لن ترى للعلم شيئًا ... يُحققه كأفواهِ الرجال
فكنْ يا صاحِ ذا حرصٍ عليه ... وخذْه عن الرجال بلا مَلالِ
ولا تأخذْهُ من صحفٍ فتُرمى ... من التَّصحيفِ بالداء العُضالِ
ومن المنسوب إليه:
أيا نفسُ ويحكِ جاءَ المشيبُ ... فماذا التصابي وماذا الغَزَلْ
تولَّى شبابي كأنْ لم يَكُنْ ... وجاء مشيبي كأن لم يَزَلْ
كأني بنفسي على غِرَّةٍ ... وخَطْبُ المَنون بها قد نَزَلْ
فيا ليتَ شِعريَ مِمَّنْ أكونُ ... وما قَدَّرَ اللَّهُ لِي بالأزَلْ
قال في الآثار: وله كتاب "الاجتهاد في إقامة فرض الجهاد"، وكتاب "تبيين الوهم والتغليط الواقع في حديث الأطيط"، وهو رسالة في جزء ردّ فيه الحديثَ الذي أخرجه أبو داود، وهو: أن أعرابيًا أتى النبيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فاستشفع للمطر، وفيه لفظ: أطيط الرحل بالراكب، ذكره ابن كثير. وله كتاب "تبيين كذب المفتري فيما