بخدمتهما الشريفة من بين الأقران والأعيان، واجتهدت رأيي في العمل بالدليل، وتركت التقليد في جانب، لما أنه مجرد قال وقيل، وأخرجت كتبَ الرأي والفروع من بيتي، وشحنت عوضها داري بالكتب من دواوين السنة وشروحها وحواشيها، وكتب الأصول، والتفسير، والأدب، والسلوك، والتاريخ، وما إليها؛ مما يعينني على تلك المقاصد الحسنة.

وقد صرتُ - بحمد الله تعالى - بقلبي منجمعًا عن بني الدنيا وأهلها وفقهائها، وأحببتُ بصميم جَناني وقوةِ إيماني العزلةَ والاستغناء عن أمرائها ورؤسائها، ولم أقف قَطُّ على باب أمير ولا فقير لغرض من الأغراض، ولا لعَرَض من الأعراض، بل اشتغلتُ في جميع أوقاتي - مذ شعرت - بالعلم تصنيفًا وتأليفًا، وبكتبه تصحيحًا وتنقيحًا، مؤثِرًا للأدلة على الآراء، ومختارًا للحديث على الأهواء.

يا حَبَّذا عِلْمُ الحديثِ، فإنَّه ... علمٌ يؤيِّدُ مُحْكَمَ القرآنِ

علمٌ به نطقَ النبيُّ وخَصَّهُ ... بالفضلِ "أحمدُ" ناسخُ الأديانِ

يَشْفي القلوبَ بنوره وبيانِه ... وبدرسِه ويزيدُ في الإيمان

لا تَعْدِلَنَّ إلى سِواهُ فإنَّه ... كهفُ الهُدى وسفينةُ الطُّوفانِ

وإذا تقابَلَتِ الخصومُ فإنَّه ... سيفٌ يفلِّقُ هامَةَ الطُّغيانِ

وقد مَنَّ الله سبحانه - وله عليَّ المنةُ - بتيسير الكتب الحديثية السلفية، مما لم يكن بحساب، حتى وصل إلي في شهري هذا - صفر من شهور سنة 1298 - من مكة المكرمة - زاد شرفها - كتابُ "بلوغ المرام من أدلة الأحكام"، عليه قراءة جمع جم من حفاظ الإسلام والعلماء الأعلام، منهم: الشيخ العلامة يوسفُ بنُ شاهين قطلوبغا، سبطُ الحافظ ابن حجر، والشيخُ الحافظ عبدُ الباسط كاتبُه، وغيرهما، وقد كتب على هامش الجزء الثاني منه ما لفظه: نقلته من خط الحافظ ابن حجر - رضي الله عنه -، وهؤلاء الجماعة قد قرؤوه على شيخ الإسلام زكريا الأنصاري، تلميذِ المؤلف - رضي الله عنهم أجمعين -.

وكذلك وصل معه كتاب "تعجيل المنفعة برجال الأربعة"؛ يعني: "الموطأ"،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015