قال صاحب "النفس اليماني": وأجازني إجازة مطولة في الحديث المسلسل بالأولية، وهو حديث: "الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا مَنْ في الأرض يرحَمْكم مَنْ في السماء"، وسنده حسن، أخرجه البخاري في "الأدب المفرد" عن عبد الرحمن بن بشر، وأبو داود، وأبو بكر بن أبي شيبة، والترمذي في "جامعه"، وقال: هذا حديث حسن صحيح، وصححه الحاكم.
قال شيخ الإسلام زكريا الأنصاري: وهو صحيح باعتبار ما له من المتابعات والشواهد، قال العبادي: إن الرواية في: يرحمكم بالرفع، على أن الجملة دعائية، لا بالجزم جوابًا للأمر، وبالوجهين تلقيناه عن المشايخ، انتهى. قال شيخنا: ونحن تلقيناه عن مشايخنا بالرفع فقط، وهذا حديث جليل؛ لأنه لما كان بَدْءُ الخلق وأوليتُه من تجلي اسمه الرحمن، وكان الوجود رحمة ونعمة، ناسبَ أن يكون أولَ ما يقرع السمع: حديثُ الرحمة، كما أنه أول ما قرع سمعه كلمة الإيجاد، وهو أول رحمة أوتيها. ثم تكلم شيخنا على هذا الحديث، وما احتوى عليه من الأسرار البديعة، والحقائق العجيبة بما يليق بجلالة قدره، وسعة علومه، فجزاه الله عني وعن الإسلام خيرًا.
قلت - عفا الله عني -: وفيه دلالة على كونه سبحانه فوق السماء وكونه مستويًا على العرش.
ثم مما كتبه صاحب الترجمة في إجازته للسيد عبد الرحمن هذا النص: وأما لبسُ الخرقة الشريفة التي يتداولها الصوفية، ويتبرك بها العلماء والمتعلمون والصالحون؛ رجاءَ الدخول في طريقة التصوف، الذي هو حقيقة المتابعة للنبي - صلى الله عليه وسلم - فيما جاء به، وأمر به، وندب إليه من قول وفعل وعقد، وهو حقيقة التقوى التي هي حلية الأولياء، ويستحق بها العبدُ الكرامة من الله تعالى، وهذا الإلباس الصوري من أخذه صدقًا وإخلاصًا إلى اللباس المعنوي المنتج للعلم اللدني، وجميع الكرامات والمبشرات المنزلة على قلوب كل، على حسب استعداده بما تعطيه الحكمة والوجود. ثم ذكر سلسلةَ خرقته، وقال: كما ألبسه غريب الله، وعاش أربع مئة عام. قلت: وفي "القاموس": دريد بن زيد عاش