الليل والنهار، فلما حدى الحادي، ولم يكن قد طرق سمعَه ذلك، فلم يزل يبكي بكاء شديدًا، وتواجد تواجدًا عظيمًا، حتى أحدث له ذلك رعافًا مسترسلاً كان من أسباب موته.

وهذا غير مستبعَد، فقد ذكر شراح "السلم المنطقي" في بحث الخطابيات ما حاصله: أن الخطاب الشعري إذا وقع باللفظ الرائق، والمعنى الفائق، والصوت الحسن الخارق، وصادف قلبًا سليمًا صافيًا، فعلَ في القلب من التأثيرات البالغة ما لا تفعله البراهين القطعية، وتأثرُ القلبِ بالصوت الحسن مقتضى الفطرة الإنسانية، ومن لم يتأثر بذلك، فهو كما قال الإمام الشافعي: فاسدُ المزاج، يحتاج إلى العلاج. وقد أخرج الحكيم الترمذي في "نوادر الأصول" عن أبي هريرة - رضي الله عنه -، قال، قال رجل: يا رسول الله! إني رجل حُبِّبَ إليَّ الصوتُ الحسنُ، فهل في الجنة صوت حسنٌ؟ قال: "والذي نفسي بيده! إن الله يوحي إلى شجرة في الجنة، أن أَسْمِعي عبادي الذين اشتغلوا بعبادتي وذكري عن عزف البرابط والمزامير، فترفعُ بصوتٍ لم تسمع الخلائقُ بمثله من تسبيح الربِّ وتقديسِه".

وأخرج عبدُ بن حُميد، عن يحيى بن أبي كثير في قوله تعالى: {فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ} [الروم: 15]، قال، قيل: يا رسول الله! ما الحبرة؟ قال: "اللذة والسماع". وقد ساق الجلال السيوطي في "الدر المنثور" عدة آثار في هذا المعنى. وقد اختلف العلماء في حكم النغم والغناء على أحد عشر قولًا. ومذهب الإمام العلامة ابن حزم الظاهري: الحِلُّ مطلقًا. قال: لأن التحريم لا يثبت إلا بنص صريح صحيح، ولم أقف عليه. خالفه الجمهور، والمسألة فيها رسائل مضبوطة مبسوطة من علماء المذاهب، انتهى كلام "النفس اليماني".

والذي ترجَّح عند المحققين من أهل الحديث: أن الذكر بالصفة المذكورة بدعة وأي بدعة! وفيها من إساءة الأدب مع الله سبحانه، والتشبه بالفرق التي يذكرون الله في معابدهم على نغمات العود والوتر ما لا يقدر قدره، ولم يثبت حديث واحد - ولو ضعيفًا - في جواز ذكر الله تعالى على هذه الصفة المشار

طور بواسطة نورين ميديا © 2015