انتهى. هذا واختلاف الناس في قابلية الفهم وعدمه غير مستبعد، فإن العلوم منه إلهية ومواهب اختصاصية، والقوابل في قبولها مختلفة، والله هو الفتاح العليم. شعر:
مردم آندر حسرت فهم درست .... اِينكه ميكويم بقدر فهم تست
وقد أخرج اللالكائي وغيره عن عمر رضي الله عنه، أنه قال: إني قد أدخل على النبي - صلى الله عليه وسلم - وعنده أبو بكر، فاسمع منهما كلامًا، أحسب أني بينهما أعجمي، وعن على كرم الله وجهه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال، ذروا العارفين المحدثين مم أمتي، لا تنزلوهم الجنة ولا النار، حتى يكون الله هو الذي يقضي فيهم يوم القيامة، أخرجه الخطيب وأورده السيوطي في الجامع الصغير وأسناده ضعيف، ولعل الإمام النووي أخذ من هذا الحديث جوابه لما سئل عن "الفصوص" ونحوها من كتب الصوفية، بقوله: هؤلاء قوم في أحوالهم لا نتكلم، فالله بهم أعلم، فالتسليم أسلم، وفي هذا قال السيد الإمام إسحاق بن يوسف، رحمه الله تعالى.
إن لم تكن منهم فسلم لهم ... فإنهم لله قد سلموا
قوم لهم أفئدة ما رأت ... شيئًا سوى المعبود مذ أسلموا
ومن كلام السيد المذكور لما سئل عما سئل عن النووي، اعلم أن لهؤلاء القوم اعتبارات وحيثيات دقيقة تسلم لهم بعد بهرجتها بمحك الشريعة في مقام الإنصاف مع خلو الجو عن قتام الجدل والهوى والكبر:
ولو أنصفَتْ في حُكْمِها أُمُّ مالِكٍ ... إذًا لرأَتْ تلكَ المَساوي مَحاسِنا
والكلام في هذا المعنى واسع، وقد خرجنا عن المقصود، ولكن عسى أن يكون الحال كما قال الشاعر:
خرجتُ من شيءٍ إلى غيرِه ... بحسبِ ما يأتي وما يَطْرَأُ
لكنَّهُ علمٌ ومن حقِّهِ ... يُسْمَعُ بَلْ يُكْتَبُ بل يُقْرَأُ