وكَمْ مُصْعَبٍ في النحوِ راضَ جِماحَهُ ... فعادَ فصارَ بسيطًا بعدَ ما كانَ قد أعيا
وكان آية في علم النحو والمنطق:
إن رُمْتَ إدراكَ العلومِ بسرعةٍ ... فعليكَ بالنَّحوِ القويمِ ومَنْطِقِ
هذا لميزانِ العقولِ مقوِّمٌ ... والنحوُ تقويمُ اللسانِ المنطقي
قال: العلمُ خزائن الله، ومفاتيحُها المسألة، فاسألوا - يرحمكم الله -؛ فإنه يؤجر في العلم ثلاثة: العالم، والمستمع، والآخذ. قرأ "الفصوص" لابن عربي على وجه التحقيق والتدقيق، مع إحضار الكتب المبسوطة في هذا العلم؛ من شروح هذا الكتاب وغيره، وتقرير المسألة بما يؤيدها من كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، ذكر له في "النفس اليماني" ترجمة نفيسة، وأنشد:
فلو أنني أقسمتُ ما كنتُ كاذبًا ... بأنْ لم يرَ الرَّاؤون حبرًا يُعادِلُهْ
إذا قلتُ شارَفْنا أواخرَ عِلْمِهِ ... تفجَّرَ حتى قلتُ هذا أوائِلُهْ
قال: ولقد عتب بعض تلامذة شيخنا الوالد عليه في تخصيصه بقراءة "الفصوص"، فقال: إنما خصصته؛ لكمال استعداده لفهم هذا العلم، وغيرُه ليس بصفته، فقال ذلك التلميذ، وكان من الأذكياء: لابد من حضوري؟ فقال الوالد: لا بأس، فحضر، فلم يعلق بفكره شيء من تلك التقريرات، فبان له وجهُ العذر، واعتذر فيما وقع منه، وأنشد:
كم من كلام قد تضمن حكمة ... نال الكساد بسوق من لا يفهم
ولله در القائل:
أيا صاحبي ما ترى نارهم ... فقال تريني ما لا أرى
سقاك الغرام ولم يسقني ... فأبصرت ما لم أكن مبصرا
قال الشيخ محي الدين في "الفتوحات" في الباب الثامن والثمانين وأربعمائة، من أراد فهم المعاني الغامضة من كلام الله عز وجل، وكلام رسوله - صلى الله عليه وسلم -، وكلام أوليائه: فليزهد في الدنيا حتى يصير ينقبض من دخولها عليه ويفرح بزوالها عنه، وأما مع ميله إلى الدنيا فلا سبيل إلى فهم الغوامض أبدًا،