أخذ العلوم النقلية والعقلية عن السيد العلامة سليمان بن يحيى الأهدل، ولازمه كثيرًا، وأخذ عن أهل اليمن والحرمين، وكانت له اليد الطولى في سائر العلوم، وتفرغ بمكة والمدينة تفرغًا عظيمًا لنشر العلوم، فألَّف ودرَّس، ووقع به النفعُ، ومن مؤلفاته: "إفهام الأفهام شرح بلوغ المرام"، في مجلدين. وكان رحبَ الصدر في التدريس، له صبر عظيم على طول المجلس وعنائه بكثرة إيراد النكت العلمية في درسه، أنشد فيه صاحب "النفس اليماني":
العالِمُ الفاضلُ النِّحْريرُ أفضلُ مَنْ ... بَثَّ العلومَ فأَورى كلَّ ظمآنِ
مات شهيدًا في الوباء العام الواقع سنة 1246، الذي مات فيه خلائقُ لا يُحصون من الحجاج، حيث انتهى الأمر إلى العجز عن دفن الأموات، وغُلِّقت بمكة وجدة جملة بيوت، وتُركت عدة أموال لا يُدْرى مستحقها من الورثة، وكان ابتداء هذا الوباء من أرض الحبشة، فكان يموت كل يوم أكثرُ من ألف، وهلكت عدةُ قرى لم تبق إلا الأموالُ والمواشي، ووقع مثلُ ذلك في مصر والشام والعراقين. فأُهلكت أمم لا يُحصون كما أخبرنا بذلك الثقات، ووقع تاريخ هذا العام {لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ} [إبراهيم: 13]، وأينا لم يظلم نفسه؟ نسأل الله العفو والعافية والمغفرة، والرحمة الشاملة لنا ولجميع المسلمين. هذا وغيرُ خافٍ أن الوباء هو فسادُ جوهر الهواء، الذي هو مادة الروح ومدده، فهو أعمُّ من الطاعون، فكل طاعون وباء، ولا عكسَ؛ كما صرح بذلك القاضي عياض وغيره، واستدل بعضهم على ذلك بأنه صَحَّ أن المدينة لا يدخلها الطاعون، وصح عن عائشة أنها أوبأُ أرض الله، وقد أطال الكلام في ذلك المؤلفون في أحكام الطاعون؛ كابن حجر المكي، وغيره. قلت: وأجبت على سؤال عن ذلك في كتابي "هداية السائل إلى أدلة المسائل"، وهو بالفارسية.