ولد سنة 1179. نشأ على حسن الاستقامة في عيشة راضية مرضية في طاعة الله بالعبادة، والقراءة، والتدريس، والتأليف، والنفع للمسلمين، وصار إمامًا، فقيهًا، محدثًا، مسنِدًا، مفسِّرًا، أصوليًا، منقوليًا، معقوليًا، عديمَ النظر في الأقران، داعيًا إلى كتاب الله وسنة رسوله، عاملًا بالحديث والقرآن، طارحًا للتقليد والآراء حتى أحبَّ الله لقاءه، فحينئذ مرضَ مرضَ الموت قريبًا من عشرة أيام، وأتاه اليقين، فتوفاه الله - عز وجل - في ليلة الثلاثاء بعد العشاء الأخيرة في الحادي والعشرين من شهر رمضان سنة 1250، وله من العمر واحد وسبعون سنة، وأرخ (?) بعض الفضلاء وفاته بقوله: ليهنك الفردوس مفتي الأنام، واغتمَّ الناسُ ليلةَ موته غمًا شديدًا، كيف وقد أثلم في الإسلام ثلمة تعذَّرَ سدُّها، ولكن لا يسع في ذلك إلا التسليم، والانقياد للملك العليم، والامتثال لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "من عظمت عليه مصيبته، فليذكر مُصيبتي، فإنكم لن تُصابوا بمثلي" الحديث، أو كما قال. والاقتداء بالسلف الصالح في قولهم عند المصائب: {إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} [البقرة: 156]، وما أحسن ما قيل في مثل ذلك:
في الذاهبينَ الأولينَ ... من القرونِ، لنا بَصائِرْ
لَمَّا رأيتُ مواردًا ... للموتِ ليسَ لها مصادِرْ
ورأيتُ قومي نحوَها ... تَمْضي الأكابرُ والأَصاغِرْ
لا ترجع الماضي إليَّ ... ولا منَ الباقين غابِرْ
أَيقنتُ أَنِّي لا محالةَ ... حيثُ صارَ القومُ صائِرْ
قال - رحمه الله - في "النفس اليماني": وأنا - بحمد الله - قرأت على شيخنا الوالد ما يسَّره الله من العلوم النقلية والعقلية، وأجازني بإجازات متكررة لفظًا وخطًا، فمما رأيته بخطه بعد الخطبة: أما بعد: فإني حصلت لي إشارة في