قال ابن رجب: الفقيه الأصولي النحوي المفسر العارف، شمس الدين، أبو عبد الله، شيخُنا، سمع من الشهاب النابلسي، وفاطمة بنت جوهر، وأبي بكر بن عبد الدائم، وجماعة، وتفقه في المذهب، وبرع وأفتى، ولازم الشيخ تقي الدين بن تيمية، وأخذ عنه، وتفنن في علوم الإسلام، وكان عارفًا بالتفسير لا يجارى فيه، وبأصول الدين، وإليه فيها المنتهى، وبالحديث ومعانيه وفقهه، ودقائق الاستنباط منه، لا يلحق في ذلك، وبالفقه وأصوله، وبالعربية، وله فيها اليد الطولى، وبعلم الكلام، وغير ذلك، وكان عالمًا بعلم السلوك، وكلام أهل التصوف وإشاراتهم ودقائقهم، له في كل فن من هذه الفنون اليد الطولى.
وكان ذا عبادة وتهجُّد، وطول صلاة إلى الغاية القصوى، وتألُّهٌ ولهجٌ بذكر، وشغف بالمحبة والإنابة، والافتقار إلى الله تعالى، والانكسار له، والاطراح بين يديه على عتبة عبوديته، لم أشاهد مثلَه في ذلك، ولا رأيت أوسعَ منه علمًا، ولا أعرفَ بمعاني القرآن والسنة وحقائق الإيمان منه، وليس هو بالمعصوم، ولكن لم أر في معناه مثله.
وقد امتحن وأُوذي مرات، وحُبس مع الشيخِ تقي الدين في المرة الأخيرة منفردًا عنه، ولم يُفرج عنه إلا بعد موت الشيخ، وكان مدةَ حبسه مشتغلاً بتلاوة القرآن بالتدبر والتفكر، ففُتح عليه من ذلك خيرٌ كثير، وحصل له جانب عظيم من الأذواق والمواجيد الصحيحة، وتسلط بسبب ذلك على الكلام في علوم أهل المعارف، والدخول في غوامضهم، وتصانيفه ممتلئة بذلك، وحج مرات كثيرة، وجاور بمكة.
قال: ولازمتُ مجالسه قبل موته سنة، وسمعتُ عليه قصيدته النونية الطويلة في السنة، وأشياء من تصانيفه، وغيرها، وأخذ عنه العلمَ خلقٌ كثير من حياة شيخه وإلى أن مات، وانتفعوا به، وكان الفضلاء يعظمونه، ويتلمذون له؛ كابن عبد الهادي، وغيره.