فخرج إليهم، وقال: لولا أن في منزلي من هو أبغضُ إليَّ منكم، ما خرجتُ إليكم. وقال له داود بن عمر الحائك: ما تقول في الصلاة خلف الحائك؟ فقال: لا بأس بها على غير وضوء، فقال له: ما تقول في شهادة الحائك؟ فقال: تقبل مع عدلين.
ويقال: إن الإمام أبا حنيفة - رحمه الله - عاده يومًا في مرضه، فطوَّل القعودَ عنده، فلما عزم على القيام، قال له: ما كأني إلا ثقلت عليك، فقال: والله! إنك لثقيلٌ عليّ وأنت في بيتك. وعاده أيضًا جماعة، فأطالوا الجلوس عنده، فضجر منهم، فأخذ وسادته وقام، وقال: شفى الله مريضَكم بالعافية. وقيل عنده يومًا: قال - صلى الله عليه وسلم -: "من نام عن قيام الليل، بال الشيطان في أذنه"، فقال: ما عمشت عيني إلا من بول الشيطان في أذني. وكانت له نوادر كثيرة.
وقال أَبو معاوية الضرير: بعث هشامُ بنُ عبد الملك إلى الأعمش أن: اكتبْ لي مناقبَ عثمان، ومساوىء علي بن أبي طالب، فأخذ الأعمشُ القرطاس في فم شاة، فلاكَتْها، وقال لرسوله: قل له: هذا جوابك، فقال له الرسول: إنه قد آلى أن يقتلني إن لم آتِه بجوابك، وتحمل عليه بإخوانه، فقالوا له: يا أبا محمد! نَجِّه من القتل، فلما ألحوا عليه، كتب له: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، أما بعد: يا أمير المؤمنين! فلو كانت لعثمان مناقبُ أهل الأرض، ما نفعتك، ولو كانت لعلي - رضي الله عنه - مساوىء أهل الأرض، ما ضرتك، فعليك بخوَيِّصة نفسك، والسلام.
مولده سنة 60 للهجرة، وتوفي سنة 148 في شهر ربيع الأول، قال زائدة بن قدامة: تبعتُ الأعمشَ يومًا، فأتى المقابرَ، فدخل في قبر محفورٍ، فاضطجعَ فيه، ثم خرج منه وهو ينفضُ التراب عن رأسه، ويقول: واضيقَ مسكناه!
أحدُ حفاظ الحديثِ وعلمِه وعللِه، وكان في الدرجة العالية من النسك والصلاح، طوَّف البلاد، وكتب عن العراقيين، والخراسانيين، والشاميين،