الأصولية، وأنفعِها، وأكثرِها فوائد، وله رسالة أتى فيها بمسائل من مئة فن، وتكلم فيها على مسائل مشكلة، وسماها: "أنموذج العلوم (?) " انتهى. قال: وقد انتفع بعلمه الطلبة في بلاد الروم، مع اشتغاله بالقضاء، وكان له جلالة وأبهة؛ بحيث إن عبيده لا يكادون يحصون، منهم اثنا عشر، يلبسون الثياب الفاخرة النفيسة، وله جوارٍ عدة، منهن أربعون يلبسن القلانس الذهبية، ومع ذلك كان متزهدًا في ملبوسه على زي الصوفية، وكان يقول إذا عوتب في ذلك: إن ثيابي وطعامي من كسب يدي، ولا يفي كسبي بأحسن من ذلك، وخلَّفَ ثروة عظيمة فيها من الكتب نحو عشرة آلاف، ومن تصلُّبه في الدين وتثبته في القضاء: أنه رد شهادة سلطان الروم في قضية، فسأله السلطان عن سبب ذلك، فقال: إنك تارك للجماعة، فبنى السلطان قدام قصره جامعًا، وعين لنفسه فيه موضعًا، ولم يترك الجماعة بعد ذلك، فلله درُّ هذا العالم الصادع بالحق، مع ما هو فيه من التقلب في نعمة سلطانه، وربَّ عالمٍ لا يقدر على الكلمة الواحدة في الحق لمن عليه أدنى نعمة مخافة من زوالها، بل ربَّ عالمٍ يمنعه رجاءُ العطية ونيل الرتبة السنية عن تكلم بالحق، ولم يكن بيده إلا مجرد الأماني الأشعبية، ورحم الله هذا السلطان! الذي سمع الحق، فاتبع، ولم تصده سَوْرَة الملك، وما هو فيه من السلطان الذي كاد يطبق الأرض، وهذا السلطان المرحوم هو: السلطان با يزيد بن مراد. وقد كان ضعف بصره - يعني: بصر الفناري -، فشفي، فحج شكرًا لله - الحجة الأخرى - ويروى في سبب عمى المترجَم له: أنه لما سمع أن الأرض لا تأكل لحوم العلماء العاملين، نبش قبر أستاذه علاء الدين الأسود؛ ليتحقق ذلك، فوجده كما وضع، مع أنه قد مر عليه زمان طويل، فسمع عند ذلك صوتًا يقول: هل صدقتَ أعمى الله بصرك؟ وقد ترجمه السخاوي ترجمة مختصرة، وكان يستحق التطويل، ولعل عذره في ذلك بعد الديار - والله أعلم - انتهى. توفي في سنة 822.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015