قال الحافظ ابن حجر، فلما سألته عن سبب ذلك؟ ذكر في أنه بلغه أنه قال في الحسين السبط - رضي الله عنه -: إنه قتل بسيف جده، ثم أردف ذلك بلعن ابن خلدون وسبه، وهو يبكي، قال ابن حجر: لم توجد هذه الكلمة في التاريخ الموجود الآن، وكأنه كان ذكرها في النسخة التي رجع عنها، قال: والعجب أن صاحبنا المقريزي كان يفرط في تعظيم ابن خلدون؛ لكونه كان يجزم بصحة نسب بني عبيد الذين كانوا خلفاء بمصر، ويخالف غيره في ذلك، ويدفع ما نقل عن الأئمة من الطعن في نسبهم.
ويقول: إنما كتبوا ذلك المحضر مراعاة للخليفة العباسي، وكان المقريزي ينتمي إلى الفاطميين، فأحب ابنَ خلدون؛ لكونه أثبتَ نسبهم، وجهل مرادَ ابن خلدون؛ فإنه كان لانحرافه عن العلوية يثبت نسب العبيديين إليهم؛ لما اشتهر من سوء معتقدهم، وكون بعضهم نسب إلى الزندقة، وادعى الإلهية؛ كالحاكم، فكأنه أراد أن يجعل ذلك ذريعة إلى الطعن، هكذا حكاه السخاوي عن ابن حجر، والله أعلم بالحقيقة. وإذا صح صدور تلك الكلمة عن صاحب الترجمة، فهو ممن أضله الله على علم، وختم على سمعه وبصره، انتهى.
قال السخاوي: كان مولده - حسبما كان يخبر به ويكتبه - بعدَ الستين يعني: وسبع مائة، لقي الكبار، وجالس الأئمة، وتفقه حنفيًا على مذهب جده لأمه، ثم تحول شافعيًا. قال السخاوي: ولكن كان مائلاً إلى الظاهر، وكذا قال ابن حجر: إنه أحب الحديث، فواظب عليه، حتى كان يتهم بمذهب ابن حزم، انتهى.
وكان قد اتصل بالطاهر برقوق، ودخل دمشق مع ولده الناصر، وعُرض عليه قضاؤها مرارًا، فأبى، وحج غير مرة، وجاور، ثم أعرض عن جميع ذلك، وأقام ببلده عاكفًا على الاشتغال بالتاريخ حتى اشتهر به ذكره وبعد صيته، ومن جملة تصانيفه "الخطط"، وهو من أحسن الكتب وأنفعها، وفيه عجائب ومواعظ، وكان فيه نشر محاسن العبيدية ويفخم شأنهم، ويشيد ذكر مناقبهم، وكنت - قبل