الفنون الحكمية، وكان يشهد له بالتبريز في جميع ذلك، ودخل مكة، وأدى فريضة الحج، وأكب على التدريس والتصنيف، ومن مؤلفاته رحلة كثيرة الفائدة، وشرح البردة شرحًا بديعًا، ولخص محصل الرازي، ونظمُه جيد أتى فيه بكل غريبة، وأما تاريخه الكبير الموسوم بكتاب "العبر وديوان المبتدأ والخبر"، فهو تاريخ حافل، كثير الفوائد، كبير الحجم، دل به على اطلاع كثير، وهذا الكتاب فذ بما تضمنه من شوارد الفوائد، ونوابغ الكلم، وهو جديد النزعة، غريب الوضع، أجاد في تصنيفه، وألبسه رونق البلاغة، ودل به على غزارة مادته، ومشاركته في كثير من العلوم، وتضلعه من الأدب، وخبرته بالسياسة والأحكام الشرعية، مع ضبط التجديد، وحسن الأسلوب، وقد لعبت أيدي النساخ بكتابه، فأحدثت خللاً كثيرًا في ضبط الأعلام والتواريخ، ولا تحسن نسبة ذلك إلى المؤلف؛ لما علمت من سعة علمه وتحقيقه واطلاعه، وتقلبه في مراتب العلم والأحكام، ولا يصح الظن بأنه لم يتهيأ له مراجعته وتهذيبه، فبقي فيه ما ذكر من الخلل. ذكر له الخوري في "الآثار" ترجمة حافلة، وأبان حال هذا التاريخ، طبع بجملته في مصر سنة 1284 في سبع مجلدات.

قال: وبالجملة: إن تاريخه من أجل التواريخ القديمة، وأحواها للفوائد، وهو من الآثار العربية، وقد ختمه بالتعريف بنفسه، انتهى.

قلت: وهو عندي موجود، وقفت عليه، وانتفعت به كثيرًا في مؤلفاتي، ولله الحمد.

وفي "البدر الطالع" في ترجمة عبد الرحمن بن خلدون: صاحب كتاب "العبر وديوان المبتدأ والخبر"، ولد في أول رمضان سنة 732 بتونس، قال ابن الخطيب: إنه رجل فاضل، جم الفضائل، رفيع القدر، أصيل المجد، وقور المجلس، عالي الهمة، قوي الجأش، مقدم في فنون عقلية ونقلية، متعدد المزايا، شديد البحث، كثير الحفظ، صحيح التصور، بارع الخط، حسن العشرة، أثنى عليه المقريزي، وكان الحافظ أبو الحسن الهيثمي يبالغ في الحط منه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015